أحاديث الخلافة في أمير المؤمنين عليه السلام

قالت الإماميّة: أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله نصّ على عليّ عليه السّلام بالخلافة بعده في عدّة مواطن منها:

الأوّل:  حديث الإنذار يوم الدّار  في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ[1]

سبب نزول الآية:

نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام وروى ذلك جملة من العلماء والمفسرّين منهم: (ابن جرير الطّبري، وابن أبي حاتم، والبغويّ، وابن عساكر، وابن منظور، وابو الفداء، والسّيوطي، والمتّقي الهندي، وغيرهم)[2].

لفظ الحديث:

قال البغويّ (المتوفى سنة 516 هـ) في تفسيره: (رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ[3]، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ .. اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ». قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ لَهُ.. ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُوازِرُنِي عَلَى أَمْرِي هَذَا؟ وَيَكُونُ أَخِي وَوَصِيِّيْ وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ»، فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، فَقُلْتُ – وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا – «أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ». قَالَ: فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيِّيْ وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا»، فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ، وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: «قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِعَلِيٍّ وَتُطِيعَ»[4].

الثّاني:  ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ نَبِيًّا، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي»[5].

الثّالث: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَضَّاحُ وَهُوَ أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ أَتَاهُ تِسْعَةُ رَهْطٍ، فَقَالُوا إِمَّا أَنْ تَقُومَ مَعَنَا، وَإِمَّا أَنْ تَخْلُونَا يَا هَؤُلَاءِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَحِيحٌ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى قَالَ: «أَنَا أَقُومُ مَعَكُمْ» فَتَحَدَّثُوا، فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا: فَجَاءَ وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «أُفٍّ وَتُفٍ يَقَعُونَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَشْرٌ، وَقَعُوا فِي رَجُلٍ» قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «..أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ. ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ خَلِيفَتِي، يَعْنِي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي»[6].

وهذه النّصوص صريحة وواضحة في المطلوب – وهو أنّ عليّاً عليه السّلام خليفة النّبي صلّى الله عليه وآله من بعده -.


[1] سورة الشّعراء: آية 214.

[2] ابن جرير الطّبري (ت 310 هـ) في تاريخه: (حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ .. تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي، وَاللَّهِ، مَا أَعْلَمُ شَابًّا فِي الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا قَدْ جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الأَمْرِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟ قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، وَقُلْتُ، وَإِنِّي لأَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وَأَرْمَصُهُمْ عَيْنًا، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْنًا، وَأَحْمَشُهُمْ سَاقًا: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ. فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا أَخِي، وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ، وَأَطِيعُوا..). ح 446.

وتهذيب الآثار للطّبري – رقم الحديث : 1385. ونقله في تفسيره: (قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفّار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عبّاس، عن عليّ بن أبي طالب).

وقريب منه الثّعلبي (ت 427 هـ) في تفسيره: (أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن شبيب المعمر قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء).

ورواه ابن عساكر (ت 571 ه‍) في تاريخ مدينة دمشق: ج 42 ، ص 50. 

ورواه أبو الفداء (ت 732 هـ) في تاريخه (المختصر في أخبار البشر): ج 1، ص 175.

وقال جلال الدّين السّيوطي (ت 911 هـ) في تفسيره: (أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ، والبَيْهَقِيُّ، مَعًا في الدَّلائِلِ، مِن طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ).

[3] قال الحافظ ابن حجر: «قال أبو حاتم: ليس بمتروك، وكان من رؤساء الشّيعة». تعجيل المنفعة: 297.

وعن شعبة بن الحجّاج أنّه كان يروي عنه، ويثني عليه، ويقول: لم أرَ أحفظ منه. تعجيل المنفعة: 297.

قلت: وإنّما تكلّم من تكلّم في أبي مريم، لأنّه كان يحدّث ببلايا عثمان وعائشة. تعجيل المنفعة: 297.

وعن ابن عقدة أنّه كان يثني عليه ويطريه؛ قال ابن عدي؛ وتجاوز الحدّ في مدحه حتّى قال: لو انتشر علم أبي مريم وخرّج حديثه لَما احتاج النّاس إلى شعبة. قال ابن عدي: وإنّما مال إليه ابن عقدة هذا الميل لإفراطه في التشيّع. الكامل لإبن عدي : ج 7 , ص 18.

[4] تفسير البغويّ: الشّعراء: 214.

[5] المستدك على الصّحيحين (ط المنهاج القويم) للحاكم النّيسابوري: ج 6، ص 65، ح 4701. ومسند أحمد ( ط دار الحديث): ج 3، ص 333، ح 3062. وقال عنه أحمد شاكر: إسناده صحيح. والسّنة لإبن أبي عاصم: ح 1188. وقال عنه الألباني في ظلال الجنّة: إسناده حسن. والإصابة في تمييز الصّحابة لإبن حجر العسقلاني: ج 4، ص 467. والبداية والنّهاية لإبن كثير: ج 11، ص 45. وتاريخ دمشق لإبن عساكر: ج 42، ص 102. والمعجم الكبير للطبراني: ج 12، ص 97، ح 12593.

[6] السّنن الكبرى للنّسائي: ح 8355. (حديث صحيح). وقريب منه في كتاب الشّريعة للآجري: ح 1479.

منقول من كتاب البراهين الساطعة في إمامة العترة الطاهرة عليهم السلام، للشيخ حيدر الموله