شعيرة الشور: دراسة فقهية في ضوء الكتاب والسنة
✒️ تمهيد:
شعيرة “الشور” هي أحد أطوار العزاء الحسيني التي ظهرت في العقود الأخيرة، وتمتاز بأسلوبها العاطفي العالي المعبّر عن الحزن والجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)، عبر لحن حزين خاص، يتضمّن إصدار صوت “إسِين” بتكرار إلكتروني يعبر عن عمق الألم، دون أن يتضمن كلامًا محرّمًا أو فعلاً منافٍ للآداب الشرعية.
محل البحث:
هل تعتبر شعيرة “الشور” مستحبّة شرعًا؟ وهل تندرج تحت العناوين العامة لاستحباب إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وإظهار الحزن والجزع عليهم؟
✅ العنوان الأول: دلالة الكتاب الكريم
– قوله تعالى:
{ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ} [الحج:32]
الاستدلال: الآية تدل على أنّ تعظيم كل ما يُعدّ من شعائر الله داخل في التقوى. وشعائر الإمام الحسين (عليه السلام) داخلة في ذلك، لأنها شعائر الله، كما ورد عن الأئمة (عليهم السلام).
ولا دليل على حصر الشعائر الحسينية في زمان أو مكان أو شكل خاص.
ما دام العمل يُعدّ من مصاديق الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) عرفًا، ولا يشتمل على محرّم، فهو مستحب شرعًا.
✅ العنوان الثاني: دلالة السنة الشريفة
– عن الإمام الصادق (عليه السلام):
“كل الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام)” (أمالي الشيخ الطوسي: ص 162)
وجه الدلالة: الإمام يصرّح بأن البكاء والجزع على الحسين ليس فقط جائزًا بل مستحبًّا. وشعيرة “الشور” هي مظهر من مظاهر الجزع والبكاء والحزن.
✅ العنوان الثالث: بعض فتاوى المراجع العظام
1. المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله):
صرّح مرارًا باستحبابه.
2. المرجع الراحل السيد سعيد الحكيم (قدس سره):
أفتى بالجواز.
3. المرجع الراحل السيد صادق الروحاني (قدس سره):
قال بالجواز بل عدّه من العبادات.
4. المرجع السيد علي السيستاني (دام ظله):
صرح بالجواز ما لم يعد هتكًا.
5. المرجع الشيخ بشير النجفي (دام ظله):
قال بالجواز.
6. المرجع الشيخ إسحاق الفياض (دام ظله):
أفتى بالجواز.
7. المرجع الشيخ محمد السند (دام ظله):
صرح بالجواز.
✅ العنوان الرابع: رد الشبهات
القول بعدم جواز أداء شعيرة “الشور” الحسينية، هو رأي يتمسّك به البعض من المتشددين في فهمهم للشعائر، بدعوى وجود مفاسد أو أنها بدعة. فيما يلي أهم تحليلاتهم مفصلة مع الجواب عنها:
🔴 أولًا: دعوى أن الشور “لهويّ” أو “موسيقى لهوية”
الدليل: يُقال إن ما يُستخدم في شور الحسين من إيقاعات هو من جنس الموسيقى اللهوية، فيدخل في عنوان “الحرام شرعًا”.
الاستدلال:
يستندون إلى فتوى تحريم سماع الموسيقى اللهوية.
فيرون أن الإيقاع الحماسي الحزين المستخدم فيه شبيه بموسيقى الطرب أو الرقص أو الملاهي.
المناقشة:
هذا خلط بين الموسيقى اللهوية وبين الإيقاع الحسيني الحماسي الحزين الذي له طابع تعبوي شعائري.
كثير من الفقهاء (كالسيد صادق الشيرازي والشيخ وحيد الخراساني وغيرهم) يستثنون ما ليس لهويًا ولا متناسبًا مع مجالس الطرب.
🔴 ثانيًا: دعوى أن الشور “بدعة محدثة”
الدليل: “كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”.
الاستدلال:
لا يوجد في صدر الإسلام أو زمان الأئمة (عليهم السلام) ما يسمى بـ “شور”.
فإدخالها في الشعائر بدعة مرفوضة شرعًا.
المناقشة:
البدعة المحرّمة هي ما ينسب إلى الدين تشريعًا بلا دليل.
أما الأمور المستحدثة التي تُبتغى بها الغايات الشرعية (كنصرة الدين، وإحياء المظلومية، والتعبئة الحسينية) فهي ليست بدعة، بل مصداق لتطوير وسائل تبليغ الدين.
وقد جرت سيرة العلماء على ابتكار وسائل جديدة في الشعائر (كالمشي على الجمر، والتطبير، واللطميات بطرق متعددة).
🔴 ثالثًا: دعوى وجود “مفاسد” في الشور
الدليل: “لا ضرر ولا ضرار”، وتحريم كل ما يؤدي إلى مفاسد اجتماعية أو أخلاقية.
الاستدلال:
يُقال إن الشور يخدش الهيبة، ويؤدي أحيانًا إلى اختلاط، صراخ، حركات غير منضبطة.
المناقشة:
المفاسد ليست من ذات الشور، بل من سوء التنظيم أو التصرف الفردي، وهذا لا يقتضي تحريمه.
القياس على هذا يلزم تحريم كثير من المواكب، أو حتى صلاة الجماعة بسبب مفاسد عارضة.
🔴 رابعًا: دعوى مخالفة الشور “لهيبة العزاء” و”حرمة المأتم”
الدليل:
الشعائر يجب أن تتم بوقار وهيبة تتناسب مع حزن كربلاء.
ما فيه حركات عنيفة أو إيقاعات صاخبة يُعتبر خروجًا عن الحزن الحقيقي.
المناقشة:
الشور ليس طربًا بل هو أسلوب تعبوي، روحي، ملهوف، فيه حرارة، ويعبّر عن الحزن الثائر.
الحزن الحسيني ليس فقط بالبكاء، بل له تجليات متنوعة (كالصراخ، اللطم، الزحف…).
الكثير من مراجع الشيعة أيّدوا الشعائر الجديدة التي تواكب المظلومية بلغة العصر.
🔴 خامسًا: دعوى عدم وجود نصوص تدل على جواز الشور
الدليل: يقولون: لا توجد رواية تدل على جواز استخدام إيقاعات وصيحات وأشعار من هذا النمط.
المناقشة:
لا يُشترط وجود نص خاص لكل وسيلة؛ الضوابط العامة كافية.
القاعدة الفقهية: “كل ما يُعدّ مصداقًا لتجسيد المظلومية وإحياء الشعائر، جائزٌ ما لم يكن فيه عنوان محرّم”.
والمراجع مثل السيد الخوئي (قدس سره) يقول: المناط كونه شعيرة عرفًا، لا أن ترد بها رواية خاصة.
✅ العنوان الخامس: البُعد التربوي والعاطفي لشعيرة الشور
لا يخفى على المتشرعة مدى أثر الوسائل العاطفية في ترسيخ القيم والمبادئ، ومن أبرزها الشعائر الحسينية.
✦ “الشور” أداة تعبويّة روحيّة
تُحرك الوجدان الجمعي، وتهيّج العاطفة الولائية، خاصة في أوساط الشباب.
تساعد على ربط الأجيال الجديدة بالحسين (عليه السلام) بلغة تناسب وجدانهم.
✅ العنوان السادس: تطبيق القاعدة الأصولية – “الملاك موجود والمانع مفقود”
لدينا ملاكٌ شرعي قطعي: استحباب البكاء والجزع على الحسين (عليه السلام).
لا مانع شرعي خاص يمنع الشور.
فالنتيجة: يكون الفعل مستحبًّا قطعًا، على القاعدة الفقهية: “الملاك موجود، والمانع مفقود = المشروعية ثابتة”.
✅ العنوان السابع: السيرة العملية للعلماء والخطباء
نُلاحظ أن كثيرًا من الفقهاء والمراجع قد أمضوا الشور ولم يُعارضوه، وهذا إمضاء عملي يُعدّ كاشفًا عن المشروعية.
مثلاً: سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) أقيم في بيته عزاء الشور وحضره بنفسه.
وسماحة المرجع الشيخ وحيد الخراساني (دام ظله) يخرج بموكب شور في كل مناسبة حزن لأهل البيت (عليهم السلام) ويحضره العديد من المراجع والمجتهدين الذين يرافقون الشيخ الوحيد مع جمع من الفضلاء ووكلاء المرجعيات فيشاركون في موكب الشور هذا.
📌 فتوى جامعة:
“كل عمل يُعدّ عرفًا من مصاديق الجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان خاليًا من المحرمات، فهو مستحب شرعًا، ومندوب مؤكد، وشعيرة يُؤجر فاعلها، ومن هذه الشعائر: الشور”.
✅ الخاتمة والنتيجة:
شعيرة الشور، بما تحمله من حزن وحرقة وولاء، داخلة بوضوح ضمن مستحبات العزاء الحسيني، ومشمولة بعمومات فضل البكاء والجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)، ومدعومة بالسيرة، وأمضاها كبار الفقهاء المعاصرين، ولا دليل على حرمتها أو بدعيتها.