شرح خطبة الغدير الكاملة

أهم المحاور التي وردت في خطبة الغدير الكاملة

خطبة الغدير – خاصةً بنصها الكامل الذي يبدأ بـ (الحمد لله الذي علا في توحّده…)، والتي رواها عدد من كبار علماء الشيعة، ومنهم: العلّامة الطبرسي في الاحتجاج، والسيّد ابن طاووس في إقبال الأعمال والتحصين، والعلاّمة الحلّي في العدد القوية  – مليئة بالتفاصيل العقائدية الدقيقة، والتشريعات الغيبية العميقة. وهي مهمة في فهم أبعاد الخطبة وتأثيرها في العقيدة الشيعية. وملخّصها ما يلي:

  1. بيان علم الإمام عليّ (عليه السلام) ومقامه الغيبي
    أشار النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الخطبة إلى أنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) قد أُوتي العلم الكامل: (ما مِنْ عِلْم إلاّ وَقَدْ أَحْصاهُ اللهُ فِيَّ، وَكُلُّ عِلْم عُلِّمْتُ فَقَدْ أَحْصَيْتُهُ في إمامِ الْمُتَّقينَ، وَما مِنْ عِلْم إلاّ وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً، وَهُوَ الاْمامُ الْمُبينُ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ في سُورَةِ يس: (وكُلَّ شَيْء أَحْصَيْناهُ في إمام مُبين) ). يُفهم من ذلك أن الإمام عليًّا (عليه السلام) ليس مجرد خليفةٍ سياسي، بل هو حاملٌ لعلم النبوّة، أي أنّ الإمامة في بعدها الغيبي ليست منفصلة عن النبوّة.
  2. التأكيد على عصمة الأئمّة (عليهم السلام)
    ذَكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (وَلا أَمْرَ بِمَعْرُوف وَلا نَهْيَ عَنْ مُنْكَر إلاّ مَعَ إمام مَعْصُوم) أنّ الأئمّة (عليهم السلام) معصومون من الخطأ والزلل. وهذا الطرح يتجاوز البعد السياسي ليُؤسّس لفكرة الإمامة المعصومة، بوصفها امتدادًا للنبوّة في الهداية والعصمة.
  3. تفصيل صفات الأئمّة بعد عليّ (عليه السلام)
    تُفصّل الخطبة (مَعاشِرَ النّاسِ، فَبايِعُوا اللهَ وَبايِعُوني وَبايِعُوا عَلِيّاً أميرَالْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالاَْئِمَّةَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ كَلِمَةً باقِيَةً) صفات الأئمّة (عليهم السلام)، وفضلهم، وأسماءهم، وأدوارهم، وجاء فيها: (مَعاشِرَ النّاسِ، إنّي أَدَعُها إمامَةً وَوِراثَةً في عَقِبي إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.. أَلا وَإنّي رَسُولٌ وَعَلِيٌّ الاْمامُ وَالْوَصِيُّ مِنْ بَعْدي، وَالاَْئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ. أَلا وَإنّي والِدُهُمْ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِهِ) وهو إثباتٌ نصّيٌّ لتسلسل الإمامة، لا مجرّد تعيين للإمام عليّ (عليه السلام) فقط.
    قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أَلا إنَّ خاتَمَ الأَئِمَّةِ مِنَّا الْقائِمَ الْمَهْدِيَّ. أَلا إنَّهُ الظّاهِرُ عَلَى الدّينِ. أَلا إنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظّالِمينَ..)، وهذا يُثبت أنّ الخطبة تتضمّن بشارةً بالإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وأنّه الخاتم للأئمّة الاثني عشر.
  4. أمر النبيّ بتبليغ الحاضرين للغائبين
    لم يكتفِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بإعلان الولاية، بل أمر جميع الحاضرين بتبليغها، فقال: (فليُبلّغِ الحاضرُ الغائبَ، والوالدُ الولدَ إلى يوم القيامة).
    وهذا يُثبت أنّ ما أعلنه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تشريعٌ دائمٌ، لا موقفٌ لحظيٌّ ولا حادثةٌ تاريخيّة عابرة.
  5. وصف الناكثين لولاية عليّ (عليه السلام)
    تتضمّن الخطبة تحذيرًا شديدًا من الناكثين لولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، بل فيها وصفٌ صريحٌ لحالهم، إذ قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ألا إنّهم أولياء الشيطان، وأشياعه وأتباعه).
    وهذا يدلّ على أنّ من لم يَقبل بولاية عليّ (عليه السلام)، فقد خرج من دائرة الهداية، ودخل في ولاية الشيطان، وهو بيانٌ صريحٌ لحدّ الانفصال العقائدي بين معسكر الحق والباطل.
  6. بيعةٌ خاصّةٌ من النساء
    أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن تُبايع النساءُ الإمامَ عليًّا (عليه السلام) كما بايعه الرجال، وكان ذلك عبر التوكيل أو المصافحة على يد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نفسه.
    ويُعدّ هذا الموقف تأسيسًا واضحًا لدور المرأة المؤمنة في تجديد البيعة لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، ومشاركتها الفاعلة في نصرة الإمامة والحق.
  7. الربط بين الحجّ وموسم الغدير
    لم يكن الغدير حدثًا معزولًا، بل جاء مباشرةً بعد حجّة الوداع، في نقطة التقاء الحجيج العائدين، ممّا جعله موسمًا تشريعيًّا بامتياز.
    ويُستفاد من ذلك أنّ الإمامة جاءت مكمّلةً لتمام الدين، وأنّ الغدير يُمثّل خاتمة البلاغات التشريعيّة الكبرى التي أُمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بإبلاغها للأمّة.
  8. إشارةٌ إلى الغصب والخذلان المستقبلي
    تتضمّن الخطبة تلميحًا واضحًا لما سيجري بعد رحيل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، من نكثٍ للبيعة، وغصبٍ لحقّ أهل البيت (عليهم السلام)، وخذلانٍ لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
    ويظهر ذلك في قوله (صلّى الله عليه وآله):
    (وستُقبلُ فتنٌ كقطع الليلِ المظلم، يُنكر فيها المعروف، ويُؤتى فيها المنكر).
    وهذا النصّ يُمثّل إنذارًا مبكرًا من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بما سيؤول إليه حال الأمّة بعد الغدير، من انقلابٍ على الولاية، وانحرافٍ عن مسار الهداية الإلهية.
  9. بيان منزلة أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن
    قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبينَ مِنْ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ هُمُ الثِّقْلُ الاَْصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثِّقْلُ الاَْكْبَرُ، فَكُلُّ واحِد مِنْهُما مُنْبِئٌ عَنْ صاحِبِهِ وَمُوافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الْحَوْضَ).
    ويُعدّ هذا الحديث دليلًا مستقلًّا على المرجعيّة العلميّة والشرعيّة والدينيّة المطلقة لأهل البيت (عليهم السلام)، فهم قرناء القرآن، لا يفترقون عنه في هدى ولا تشريع، وهو لا يفترق عنهم في بيان ولا دلالة.
  10. مفهوم “المولى” ليس مجرّد “المحبّة” أو “النصرة
    لم يكتفِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بقولِه: (فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ)، بل قرنه بالدعاء القويّ: (اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ)
    فلو كان المقصود بـ ” المولى” مجرّد المحبّة أو النصرة، لما دعا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على من خذله أو عاداه، إذ لا يُعقل أن يُخاصَم أحدٌ لمجرّد عدم المحبّة.
    وهذا يدلّ بوضوح على أنّ “المولى” تعني: الوليّ المتصرّف، والمقدَّم في الطاعة والقيادة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

________________________

شرح فقرات خطبة الغدير الكاملة

المقطع الأول: التوحيد والتنزيه الإلهي

“الْحَمْدُ للهِ الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ، وَدَنا في تَفَرُّدِهِ، وَجَلَّ في سُلْطانِهِ، وَعَظُمَ في أَرْكانِهِ، وَأَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَهُوَ في مَكانِهِ، وَقَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، حَميدًا لَمْ يَزَلْ، مَحْمُودًا لا يَزالُ، وَمَجيدًا لا يَزُولُ، وَمُبْدِئًا وَمُعِيدًا، وَكُلُّ أَمْرٍ إِلَيْهِ يَعُودُ…”

الشرح:

يبدأ النبي (صلى الله عليه وآله) بتمجيد الله تعالى، ويؤسس في أول الخطبة عقيدة التوحيد: تفرده، علمه، سلطانه. يستخدم النبي (صلى الله عليه وآله) عبارات مركزة عن علم الله ومكانه وعظمته، لينبه أن ما سيقوله لاحقًا هو من الوحي، لا رأي شخصي. هذه المقدمة تربط المستمع مباشرة بالسماء والتشريع الإلهي، مما يرفع مكانة ما سيأتي بعده من أمر بتنصيب الإمام علي (عليه السلام).

المقطع الثاني: الشهادة بالنبوة والرسالة

“وَأَشْهَدُ أَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي تَنَزَّهَ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ، وَالضِّدِّ وَالْأَوْلَادِ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَلَا تَحْوِيهِ الدِّيَارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ…”

الشرح:

تأكيدٌ على وحدانيّة الله وتنزّهه. وإثبات نبوة محمدٍ (صلى الله عليه وآله) وأنّه مبعوثٌ بالحقّ، وهو في مقام البلاغ الإلهي. وهذه توطئةٌ لما سيأتي من تشريعٍ جديد، وهو ولاية الإمام علي (عليه السلام).

المقطع الثالث: قُربُ رحيلِ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

“أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُ لَنْ يُعَمَّرَ نَبِيٌّ إِلَّا مِثْلَ نِصْفِ عُمُرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ…”

الشرح:

يُعلن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قُربَ رحيله عن هذه الدنيا، ويُنبّه الحاضرين إلى أن ما سيقوله بعد هذه المقدّمة هو وصيّته الأخيرة. هذه الفقرة تُعطي للخطبة صفة الختام للرسالة، وتُدلّل على أنّ ما سيأتي فيها من تشريعٍ هو أهمّ ما في تبليغه قبل الوفاة.

المقطع الرابع: أمرُ اللهِ تعالى بإعلانِ الولاية

“وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُنَصِّبَ لَكُمْ وَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، وَالَّذِي هُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ…”

الشرح:

إعلانٌ صريحٌ بتنصيب الإمام عليٍّ (عليه السلام) بأمرٍ من الله تعالى، لا باجتهادٍ شخصيّ. يُشبّهه النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهارون بالنسبة إلى موسى، أي أن عليًّا هو الخليفة الشرعي، المكمّل للمسيرة، لا نبيًّا مستقلًّا، بل إمام معصوم مفترض الطاعة. والجملة “إلّا أنّه لا نبيّ بعدي” تنفي النبوة وتُثبت الإمامة بوصفها امتدادًا لا انفصالًا.

المقطع الخامس: بيانُ صفاتِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام)

“أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَحَقُّهُمْ بِي، وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيَّ، وَأَعْلَمُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ، وَأَوَّلُكُمْ إِسْلَامًا، وَأَصْدَقُكُمْ يَقِينًا…”

الشرح:

يُعدّد النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) صفات الإمام عليٍّ (عليه السلام) بما يُبرِز تفوّقه الذاتي والروحي: السَّبق في الإسلام، والعلم، واليقين، والقرب، والمحبّة الإلهيّة.

الهدف من هذا البيان هو إقناع الناس بعقلهم وقلوبهم، فالأمر ليس مجرّد تكليف إلهي من فوق، بل إنّ عليًّا (عليه السلام) أهلٌ لها بأرقى الصفات والمزايا.

المقطع السادس: التّنصيبُ الرّسمي – بيعةُ الغدير

“مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ…”

الشرح:

هذا هو جوهر خطبة الغدير، وفيه الإعلانُ الصّريحُ عن الولاية العامة للإمام علي (عليه السلام).
لفظ “مَوْلَى” في هذا السياق، مع ما تبعه من دعاءٍ بالنُّصرة والخذلان، يدلّ بوضوح على أن المقصود قيادة دينيّة وسياسيّة وتشريعيّة، لا مجرّد محبّةٍ قلبية.
وقد أكّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) المضمونَ بالدّعاء الصّارم الذي يُحدّد الموقف الإلهي من مناصرة الإمام أو خذلانه.

المقطع السابع: توضيح معنى “المولى

“أَيُّهَا النَّاسُ! قُولُوا الَّذِي قُلْتُ لَكُمْ، وَسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ…”

الشرح:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يطلب من الناس تكرار الموقف باللسان، والإذعان بالقلب، وهذا يدل على أن “الولاية” تعني طاعة وتشريعًا، لا مجرد محبة.
وقد أمرهم بأن يُخاطبوا الإمام عليًّا (عليه السلام) بـ “أمير المؤمنين”، وهي أوّل مرة يُطلَق فيها هذا اللقب رسميًا، ما يؤسس لمرحلة الإمامة ويمنحها الصبغة التشريعية والقيادية.

المقطع الثامن: أمرٌ بالتبليغ العام

“أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الْحَاضِرُ الْغَائِبَ، وَالْوَالِدُ الْوَلَدَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ…”

الشرح:

الولايةُ هنا ليست حصرًا بأهل غدير خُم، بل تشريعٌ دائمٌ عامّ.
الصيغةُ التي وردت تؤكد أن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ركنٌ من أركان الدين، يجب أن تُبلّغ لكل الأجيال، وأن مسؤولية التبليغ تقع على الأمة جمعاء، جيلاً بعد جيل.

المقطع التاسع: ذكر الأئمة من ذرية علي (عليه السلام)

“أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ عَلِيّاً إِمَاماً وَوَصِيّاً مِنْ بَعْدِي، وَمَنْ وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةً هُدَاةً، لَا يُفَارِقُونَ الْكِتَابَ، حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ…”

الشرح:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يُصرّح بوجود أئمة هداة من نسل الإمام عليّ (عليه السلام)، مؤكداً أنهم خلفاؤه الشرعيّون، المقرونون بالقرآن في كل زمان.
وهذا النصّ يُعدّ من أقوى أدلة مذهب الإمامية في أصل الإمامة الاثني عشرية، ويبيّن أن الهداية الإلهية لا تنفصل عن القرآن والعترة معًا.

المقطع العاشر: صفات الأئمة (عليهم السلام)

“هُمْ الْأُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِ اللهِ، الْمَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَإِ، الْمُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ، الْمُكَرَّمُونَ بِالْكَرَامَاتِ، الْمَخْصُوصُونَ بِالْآيَاتِ…”

الشرح:

هذا المقطع يُرسّخ عقيدة عصمة الأئمة (عليهم السلام)، ويُظهر أن الإمامة ليست خلافةً إداريةً أو سياسية فحسب، بل قيادة ربّانيةٌ معصومة، موصولة بالوحي، مطهّرة من الذنوب، مختارة من الله سبحانه.
صفاتهم تُبيّن أنهم في مقام الهداية الإلهية لا يمكن أن يُخطئوا أو يضلّوا.

المقطع الحادي عشر: التهديد للناكثين

“أَلَا وَإِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْغَاوُونَ، وَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ هُمُ الْخَاسِرُونَ، أَلَا وَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا…”

الشرح:

في هذا المقطع تحذيرٌ شديد لمن يُنكرون ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من بعده، فهم في وصف النبيّ (صلى الله عليه وآله) ضمن “حزب الشيطان”، وقد حكم عليهم بالغيّ والخسران، وبيّن ضلال سعيهم في الدنيا.
الخطاب يضع الولاء لأهل البيت حدًّا فاصلاً بين الهداية والضلال، ويبيّن أن مخالفة أمر الولاية ليست مجرد خطأ، بل انحراف عقدي مصيري.

المقطع الثاني عشر: بشارة المهدي المنتظر (عليه السلام)

“أَلَا وَإِنَّ خَاتَمَهُمُ الْمَهْدِيُّ، الَّذِي يُظْهِرُ اللهُ بِهِ دِينَهُ، وَيَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا…”

الشرح:

يبشّر النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا المقطع بالإمام المهدي (عليه السلام) كخاتمة لخط الإمامة.
ويؤكد أنّ الله سيُظهر به الدين الحق، ويُزيل به الظلم، فيملأ الأرض عدلًا.
الخطبة بذلك لا تقتصر على الحاضر، بل تُشير إلى البُعد المستقبلي لعقيدة الإمامة، وكونها مشروعًا إلهيًا متواصلًا حتى آخر الزمان.

المقطع الثالث عشر: الأمر بمبايعة علي (عليه السلام)

“أَلَا فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ أَمَرَنِيَ اللهُ بِذَلِكَ…”

الشرح:

هذا المقطع يمثّل الذروة العملية في خطبة الغدير، حيث يُصدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمرًا صريحًا بالمبايعة الجماعية لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين.
وقد ورد في المصادر أن أول من بادر بالبيعة هو عمر بن الخطاب قائلاً: “بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.”
وهذا يعكس التحوّل من البلاغ اللفظي إلى التنفيذ الفعلي، بما يؤكّد أنّ المسألة ليست رمزية أو عاطفية، بل تشريع ملزم.

المقطع الرابع عشر: إتمام الحجة على الأمة

“أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ…”

الشرح:

يكرّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) نداءه: “ألا هل بلغت؟” ثلاث مرات، وهو أسلوب توثيقي وتأكيد شرعي، لإقامة الحجة على جميع الحاضرين، وشهادة الأمة على التبليغ.
ورد أن الناس أجابوا: “نعم، بلّغت يا رسول الله.”
وبذلك يكون إعلان الولاية قد تمَّ علنيًا، وبحضورٍ جماهيري، وبتأكيد إلهي، مما يجعل الموقف تشريعًا مُلزِمًا لا رأيًا اجتهاديًّا.

المقطع الخامس عشر: وصف مستقبل الأمة بعد الغدير

“وَإِنَّكُمْ سَتُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي… فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى…”

الشرح:

يُنبئ النبيّ (صلى الله عليه وآله) الأمة بأنَّها ستواجه فتنًا عظيمة مظلمة بعد وفاته، تُشبه الليل في ظلمته وانعدام معالم الهداية فيه.
ويُحدد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن النجاة مرهونةٌ بالتمسّك بالعروة الوثقى، وهو تعبير قرآني رمزي، يفسّره أهل البيت (عليهم السلام) بأنه التمسك بالإمامة الإلهية لعليّ وأبنائه (عليهم السلام).
فهذا المقطع يُمهّد للمخاطر العقائدية القادمة، ويوجّه إلى الطريق الوحيد للثبات.

المقطع الأخير: دعاء وختام الخطبة

“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي بَيْعَتِهِمْ لِعَلِيٍّ، وَامْسَخْ قُلُوبَ مَنْ كَذَّبَ وَكَفَرَ بَعْدَ الْبَيَانِ…”

الشرح:

يختم النبيّ (صلى الله عليه وآله) الخطبة بدعاءٍ جامع، يجمع فيه بين الترغيب للمؤمنين الثابتين على البيعة، والترهيب الشديد للناكثين والمنكرين.
يطلب المغفرة للمؤمنين، والبركة في ولائهم لعليّ (عليه السلام)، ثم ينتقل إلى الدعاء بهلاك من كتم أو جحد الولاية بعد أن تبيّن له الحق، مما يدل على حسم الموقف إلهيًّا، واعتبار هذا الموقف معيارًا للفصل بين الإيمان والكفر، والطاعة والعصيان.

خاتمة الخطبة

بعد الانتهاء من الخطبة، أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) الناس أن يُهنِّئوا عليًّا (عليه السلام) بالمقام الجديد، فظلّ الناس ثلاثةَ أيّامٍ يهنئونه.
ونزلت الآية الكريمة: ﴿اليومَ أَكملتُ لكم دينَكم وأَتمَمتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً﴾. (المائدة: 3)