هذا شرح مختصر للزيارة العظيمة عالية المضامين لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير على شكل فقرات:
الفقرة ① – التحية على النبي محمد والأنبياء والصالحين
📜 النص:
السَّلامُ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةِ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَمِينِ اللهِ عَلَىٰ وَحْيِهِ وَعَزائِمِ أَمْرِهِ، وَالْخاتِمِ لِما سَبَقَ، وَالْفاتِحِ لِمَا اسْتُقْبِلَ، وَالْمُهَيْمِنِ عَلَىٰ ذٰلِكَ كُلِّهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ. السَّلامُ عَلَىٰ أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، وَمَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
🔍 الشرح:
في الفقرة تسلّيم على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) باعتباره خاتم الأنبياء وأمين الوحي، ثم تعمّ بالسلام جميع الأنبياء والرسل والملائكة والعباد الصالحين (عليهم السلام)، تعبيرًا عن الولاء والتسليم لمن اختارهم الله لهداية الخلق.
الفقرة ② – مقام أمير المؤمنين وأوصافه العظمى
📜 النص:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدَ الْوَصِيِّينَ، وَوَارِثَ عِلْمِ النَّبِيِّينَ، وَوَلِيَّ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَمَوْلايَ وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَا أَمِينَ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَسَفِيرَهُ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ عَلَىٰ عِبَادِهِ.
🔍 الشرح:
الفقرة تُعبّر عن السلام والتحية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بوصفه: سيد الأوصياء، ووارث علوم الأنبياء، ووليّ الله على خلقه. وهو مولى كل مؤمن، وأمين الله في الأرض، وسفيره إلى العباد، وحجته القاطعة عليهم، مما يُظهر منزلته الفريدة في نظام الهداية الإلهيّة.
الفقرة ③ – عليّ عليه السلام: النبأ العظيم والمجاهد الأول
📜 النص:
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبَأُ الْعَظِيمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ وَعَنْهُ يَسْأَلُونَ. السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آمَنْتَ بِاللهِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَصَدَّقْتَ بِالْحَقِّ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ، وَجاهَدْتَ [فِي اللهِ] وَهُمْ مُحْجِمُونَ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، صابِراً مُحْتَسِباً حَتَّىٰ أَتَاكَ الْيَقِينُ، أَلَاٰ لَعْنَةُ اللهِ عَلَىٰ الظَّالِمِينَ.
🔍 الشرح:
تصف هذه الفقرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه النبأ العظيم الذي ورد ذكره في القرآن، والذي اختلف الناس في حقه وولايته بعد النبي (صلى الله عليه وآله).
وتُشير إلى كونه أول من آمن بالله وصدق بالنبي في حين كان غيره مشركًا ومكذّبًا، وأول من جاهد في سبيل الله حين كان الآخرون متخاذلين يفرّون من الزحف. وقد عبد الله بإخلاص وصبر حتى أتاه الموت، فاستحق من ظلمه وجحد مقامه اللعن من الله.
الفقرة ④ – علي عليه السلام: أخو الرسول وخليفته وسبّاق الإيمان
📜 النص:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْسُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِمامَ الْمُتَّقِينَ، وَقائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
أَشْهَدُ أَنَّكَ أَخُو رَسُولِ اللهِ، وَوَصِيُّهُ، وَوارِثُ عِلْمِهِ، وَأَمِينُهُ عَلَىٰ شَرْعِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَ بِما أُنْزِلَ عَلَىٰ نَبِيِّهِ.
🔍 الشرح:
لأمير المؤمنين (عليه السلام) صفات قيادية وإيمانية: فهو سيد المسلمين، ويعسوب المؤمنين (مرجعهم وقائدهم)، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين يوم القيامة.
ثم يُشهد له بأنّه أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة، ووصيّه وخليفته الشرعي، والوارث الكامل لعلمه، والأمين على شريعته.
كما يُؤكد أنه أول من آمن بالله وصدق بوحي السماء، ما يثبت سبقه المطلق في الإيمان والطاعة.
الفقرة ⑤ – تبليغ النبي لولاية علي وبيعة الأمة له
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنِ اللهِ مَا أَنْزَلَهُ فِيكَ، فَصَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَىٰ أُمَّتِهِ فَرْضَ طاعَتِكَ وَوِلايَتِكَ، وَعَقَدَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لَكَ، وَجَعَلَكَ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَما جَعَلَهُ اللهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَشْهَدَ اللهَ تَعَالىٰ عَلَيْهِمْ فَقالَ: أَلَسْتُ قَدْ بَلَّغْتُ؟ فَقالُوا: اللّٰهُمَّ بَلىٰ. فَقالَ: اللّٰهُمَّ اشْهَدْ، وَكَفىٰ بِكَ شَهِيداً وَحاكِماً بَيْنَ الْعِبادِ، فَلَعَنَ اللهُ جاحِدَ وِلايَتِكَ بَعْدَ الْإِقْرارِ، وَناكِثَ عَهْدِكَ بَعْدَ الْمِيثَاقِ.
🔍 الشرح:
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بلّغ أمر الله في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بوضوح يوم الغدير، وفرض على الأمة طاعته وبيعته، وجعله أولى بهم من أنفسهم، تمامًا كما كان هو (صلى الله عليه وآله) أولى بهم. وقد أشهدهم يوم الغدير على ذلك. ثم لُعن من جحد ولايته بعد الإقرار، ونقض البيعة بعد الميثاق، وفيه تأكيد على أنّ نقض الولاية خروجٌ عن الدين الإلهي الحق.
الفقرة ⑥ – وفاء أمير المؤمنين بالعهد الإلهي ونصّ القرآن على ولايته
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ تَعالَىٰ، وَأَنَّ اللهَ تَعالَىٰ مُوفٍ لَكَ بِعَهْدِهِ، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِما عاهَدَ عَلَيْهِ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْحَقُّ الَّذِي نَطَقَ بِوِلايَتِكَ التَّنْزِيلُ، وَأَخَذَ لَكَ الْعَهْدَ عَلَىٰ الْأُمَّهِ بِذٰلِكَ الرَّسُولُ.
🔍 الشرح:
إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وفى بعهد الله حق الوفاء، في طاعته وجهاده ونصره للدين، وأنّ الله سيوفي له بالمقابل وعده بالثواب العظيم.
كما تؤكد أنّ القرآن نطق بولايته، وأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) أخذ له العهد والبيعة من الأمة، مما يثبت أنّ إمامته إلهية ثابتة بالوحي والبلاغ النبوي، لا اختيار بشري ولا اجتهاد شخصي.
الفقرة ⑦ – بيع النفس لله ومصداق آية الجهاد في أهل البيت
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَعَمَّكَ وَأَخاكَ، الَّذِينَ تاجَرْتُمُ اللهَ بِنُفُوسِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ…﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
🔍 الشرح:
تشير هذه الفقرة إلى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعمّه، وأخاه – وهم حمزة، وجعفر، وعليّ – باعوا أنفسهم لله بصدق وإخلاص، فكانوا المصداق الأكمل لآية الجهاد: ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين… ﴾.
وهذه الآية المباركة نزلت تُشيد بمن قدّموا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله، فوُعدوا بالجنة، وامتدحهم الله بصفات الطاعة والخضوع، وهم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين جسّدوا هذه المعاني واقعًا حيًّا، فاستحقوا أن يكونوا أعظم الفائزين.
الفقرة ⑧ – من شك في علي فقد جحد النبوة
📜 النص:
أَشْهَدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الشَّاكَّ فِيكَ مَا آمَنَ بِالرَّسُولِ الْأَمِينِ، وَأَنَّ الْعادِلَ بِكَ غَيْرَكَ عانِدٌ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ، الَّذِي ارْتَضَاهُ لَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَكْمَلَهُ بِوِلايَتِكَ يَوْمَ الْغَدِيرِ. وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
🔍 الشرح:
إنّ الشك في إمامة عليّ (عليه السلام) هو إنكارٌ لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه، لأنّ ولايته جزء من الدين الذي بلّغه.
ومن أعطى هذا المقام لغيره فقد أعرض عن دين الله القويم، الذي أكمله الله يوم الغدير بتنصيبه (عليه السلام) وليًا.
وتُصرّح بأنّه هو الصراط المستقيم الذي أمر الله باتّباعه في كتابه، وأنّ الانحراف عنه اتباع للسبل الباطلة التي تفرّق الأمة وتُخرجها عن سبيل الله.
الفقرة ⑨ – الهداية بإتباع علي والضلال في معاداته
📜 النص:
ضَلَّ وَاللهِ وَأَضَلَّ مَنِ اتَّبَعَ سِواكَ، وَعَنَدَ عَنِ الْحَقِّ مَنْ عاداكَ.
اللّٰهُمَّ سَمِعْنا لِأَمْرِكَ وَأَطَعْنا وَاتَّبَعْنا صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، فَاهْدِنا رَبَّنا وَلَاٰ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إِلىٰ طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِأَنْعُمِكَ.
🔍 الشرح:
إنّ كل من خالف أمير المؤمنين (عليه السلام) ضلّ عن الحق وأضلّ غيره، لأنّ طريق عليّ (عليه السلام) هو الصراط المستقيم الذي أمر الله باتباعه.
ثم يأتي دعاء: بأننا سمعنا أمر الله وامتثلنا بولايته، فنسأله أن يثبّتنا على هدايته، وألا يزيغ قلوبنا عن طاعته، وأن يجعلنا شاكرين لهذه النعمة العظمى، نعمة الولاية.
الفقرة ⑩ – صفات أمير المؤمنين في العبادة والجهاد والثبات على الحق
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوىٰ مُخالِفاً، وَلِلتُّقىٰ مُحالِفاً، وَعَلَىٰ كَظْمِ الْغَيْظِ قادِراً، وَعَنِ النَّاسِ عافِياً غافِراً، وَإِذا عُصِيَ اللهُ ساخِطاً، وَإِذا أُطِيعَ اللهُ راضِياً، وَبِما عَهِدَ إِلَيْكَ عامِلاً، راعِياً لِمَا اسْتُحْفِظْتَ، حافِظاً لِمَا اسْتُودِعْتَ، مُبَلِّغاً مَا حُمِّلْتَ، مُنْتَظِراً مَا وُعِدْتَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَا اتَّقَيْتَ ضارِعاً، وَلَاٰ أَمْسَكْتَ عَنْ حَقِّكَ جازِعاً، وَلَاٰ أَحْجَمْتَ عَنْ مُجاهَدَةِ غاصِبِيكَ ناكِلاً، وَلَاٰ أَظْهَرْتَ الرِّضىٰ بِخِلافِ مَا يُرْضِي اللهَ مُداهِناً، وَلَاٰ وَهَنْتَ لِما أَصابَكَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَاٰ ضَعُفْتَ وَلَاٰ اسْتَكَنْتَ عَنْ طَلَبِ حَقِّكَ مُراقِباً، مَعاذَ اللهِ أَنْ تَكُونَ كَذٰلِكَ، بَلْ إِذْ ظُلِمْتَ احْتَسَبْتَ رَبَّكَ، وَفَوَّضْتَ إِلَيْهِ أَمْرَكَ، وَذَكَّرْتَهُمْ فَمَا ادَّكَرُوا، وَوَعَظْتَهُمْ فَمَا اتَّعَظُوا، وَخَوَّفْتَهُمُ اللهَ فَمَا تَخَوَّفُوا.
🔍 الشرح:
تصف هذه الفقرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه مخالف للهوى، موالٍ للتقوى، صبورٌ حليم، غفورٌ عافٍ، لا يغضب إلا لله، ولا يرضى إلا لرضاه، وقد التزم بكل ما أوكله الله إليه من مسؤوليات دينية وإلهية.
وتُثبت أنّه لم يتخاذل في طلب حقه، ولا ضعف عن الجهاد، ولا داهن أهل الباطل، بل صبر واحتسب، متمسكًا بالحكمة والموعظة.
لكن القوم لم ينتفعوا بتذكيره ولا بعظته، ولا خافوا من تحذيره، فاستحقوا البعد والخذلان، فيما ظل هو رمز الصبر والثبات والطاعة الخالصة لله.
الفقرة ⑪ – جهاد علي وخَتْم حياته بالشهادة
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّىٰ دَعاكَ اللهُ إِلىٰ جِوارِهِ، وَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ، وَأَلْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ بِقَتْلِهِمْ إِيَّاكَ، لِتَكُونَ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْهِمْ، مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ عَلَىٰ جَمِيعِ خَلْقِهِ.
🔍 الشرح:
إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) جاهدَ جهادًا عظيمًا في سبيل الله، ثم اختاره الله إلى جواره بالشهادة في المحراب.
ويُؤكد النص أنّ قَتلَهُ على يد من أقام الحجة عليهم أمام الله، إذ لم يكن لهم عذر بعد علمهم بمقامه.
كما أن عليًّا (عليه السلام) كان حجّةً قائمة على جميع الخلق بحججه وبيانه ومواقفه.
الفقرة ⑫ – عبادة علي وجهاده الكامل وتفنيد الافتراء عليه
📜 النص:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً، وَجَاهَدْتَ فِي اللهِ صَابِراً، وَجُدْتَ بِنَفْسِكَ مُحْتَسِباً، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ، وَاتَّبَعْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَأَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَا اسْتَطَعْتَ، مُبْتَغِياً مَا عِنْدَ اللهِ، رَاغِباً فِيمَا وَعَدَ اللهُ، لَاٰ تَحْفِلُ بِالنَّوَائِبِ، وَلَاٰ تَهِنُ عِنْدَ الشَّدائِدِ، وَلَاٰ تُحْجَمُ عَنْ مُحَارِبٍ، أَفِكَ مَنْ نَسَبَ غَيْرَ ذٰلِكَ إِلَيْكَ، وَافْتَرىٰ باطِلاً عَلَيْكَ؟ وَأَوْلَىٰ لِمَنْ عَنَدَ عَنْكَ، لَقَدْ جَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الْجِهَادِ، وَصَبَرْتَ عَلَى الْأَذىٰ صَبْرَ احْتِسابٍ.
🔍 الشرح:
تصف هذه الفقرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه عبد الله بإخلاص، وجاهد بنفسه محتسبًا، وعمل بالقرآن، وتبع السنة، وأقام أركان الدين كلها.
لم يكن يضعف أمام المصائب، ولا يتراجع في وجه العدو، بل كان ثابتًا في كل ميدان، غايته رضا الله وثوابه.
ثم تُكذّب مَن افترى عليه وزوّر تاريخه، مؤكدة أنه أكمل صورة للجهاد والصبر والعبادة الحقة، وكل من عاداه أو نسب إليه غير الحق فقد افترى على الله ورسوله.
الفقرة ⑬ – علي أول المؤمنين وثابت الحق في زمن الغربة
📜 النص:
وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَصَلَّىٰ لَهُ، وَجاهَدَ وَأَبْدىٰ صَفْحَتَهُ فِي دارِ الشِّرْكِ، وَالْأَرْضُ مَشْحُونَةٌ ضَلالَةً، وَالشَّيْطانُ يُعْبَدُ جَهْرَةً، وَأَنْتَ الْقائِلُ: لَاٰ تَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلَاٰ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلَوْ أَسْلَمَنِي النَّاسُ جَميعاً لَمْ أَكُنْ مُتَضَرِّعاً. اعْتَصَمْتَ بِاللهِ فَعَزَزْتَ، وَآثَرْتَ الْآخِرَةَ عَلَى الْأُولىٰ فَزَهِدْتَ، وَأَيَّدَكَ اللهُ وَهَداكَ وَأَخْلَصَكَ وَاجْتَباكَ.
🔍 الشرح:
تشهد هذه الفقرة بأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أول من آمن بالله وصلّى وجاهد في أرضٍ يغلب عليها الكفر والضلالة، ولم يَهَب كثرة أعداء التوحيد.
وقد عبّر عن عزّته بالإيمان لا بكثرة الناس، فكان ثابتًا على الحق ولو بقي وحيدًا. واختار الآخرة على الدنيا، فزهد وزُكِّي، وأيّده الله واصطفاه وهَداه وخلّصه من كل دنس، فكان عبدًا خالصًا لله في كل حال.
الفقرة ⑭ – ثبات علي عليه السلام على الحق ونزاهته المطلقة
📜 النص:
فَما تَناقَضَتْ أَفْعالُكَ، وَلَا اخْتَلَفَتْ أَقْوالُكَ، وَلَاٰ تَقَلَّبَتْ أَحْوالُكَ، وَلَا ادَّعَيْتَ وَلَا افْتَرَيْتَ عَلَىٰ اللهِ كَذِباً، وَلَاٰ شَرِهْتَ إِلَىٰ الْحُطامِ، وَلَاٰ دَنَّسَكَ الْآثامُ، وَلَمْ تَزَلْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وَيَقِينٍ مِنْ أَمْرِكَ، تَهْدِی إِلَىٰ الْحَقِّ وَإِلىٰ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
🔍 الشرح:
تشهد هذه الفقرة بعصمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو ثابت في أفعاله، منسجم في أقواله، نقيّ في سرّه وعلانيته، لم يُدنسه ذنبٌ ولا شوّهته شهوة.
لم يطلب الدنيا، ولم يفتعل كذبًا على الله، – على خلاف من سبقه – بل كان دائمًا على يقين من ربه، يهدي إلى الحق، ويقود إلى صراط مستقيم، فهو نموذج الإمامة الربانية المعصومة.
الفقرة ⑮ – الإيمان لا يتمّ إلا بولاية علي عليه السلام
📜 النص:
أَشْهَدُ شَهادَةَ حَقٍّ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ قَسَمَ صِدْقٍ أَنَّ مُحَمَّداً وَآلَهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ سَادَاتُ الْخَلْقِ، وَأَنَّكَ مَوْلايَ وَمَوْلَىٰ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَوَلِيُّهُ، وَأَخُو الرَّسُولِ وَوَصِيُّهُ وَوارِثُهُ، وَأَنَّهُ الْقائِلُ لَكَ: “وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا آمَنَ بِي مَنْ كَفَرَ بِكَ، وَلَاٰ أَقَرَّ بِاللهِ مَنْ جَحَدَكَ”، وَقَدْ ضَلَّ مَنْ صَدَّ عَنْكَ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَىٰ اللهِ، وَلَاٰ إِلَيَّ مَنْ لَاٰ يَهْتَدِي بِكَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾ – إِلىٰ وِلايَتِكَ – .
🔍 الشرح:
يُقرّ الزائر بشهادة قاطعة وقَسمٍ صادق أنّ النبي وآله (صلى الله عليه وآله) سادة الخلق، وأن عليًّا هو مولى المؤمنين، وعبد الله ووصي نبيه وأخوه ووارثه.
ثم يبيّن أنّ الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) مشروط بقبول ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّ من جحده فقد ضلّ عن الله وعن رسوله.
وتُفسَّر الآية ﴿ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾ بأنها تعني الاهتداء إلى ولاية علي (عليه السلام)، فبها يتم الإيمان وتُقبل التوبة.
الفقرة ⑯ – رفعة مقام علي ومصير أعدائه الخاسرين
📜 النص:
مَوْلايَ، فَضْلُكَ لَاٰ يَخْفىٰ، وَنُورُكَ لَاٰ يُطْفَأُ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الْأَشْقىٰ.
مَوْلايَ، أَنْتَ الْحُجَّةُ عَلَى الْعِبادِ، وَالْهادِي إِلَىٰ الرَّشادِ، وَالْعُدَّةُ لِلْمَعادِ.
مَوْلايَ، لَقَدْ رَفَعَ اللهُ فِي الْأُولىٰ مَنْزِلَتَكَ، وَأَعْلىٰ فِي الْآخِرَةِ دَرَجَتَكَ، وَبَصَّرَكَ مَا عَمِيَ عَلَىٰ مَنْ خالَفَكَ، وَحالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَواهِبِ اللهِ لَكَ، فَلَعَنَ اللهُ مُسْتَحِلِّي الْحُرْمَةِ مِنْكَ، وَذائِدِي الْحَقِّ عَنْكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُمُ الْأَخْسَرُونَ الَّذِينَ تَلْفَحُ وَجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ.
🔍 الشرح:
إنّ فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ظاهر لا يمكن إنكاره، ونوره إلهي لا يُطفأ، ومن جحده فهو الظالم الأشقى.
وتُصرّح بأنّه الحجة على الخلق، والدليل إلى الحق، والعدة ليوم المعاد.
قد رفعه الله في الدنيا والآخرة، وأبصره ما لم يُدركه من خالفه، لكنهم حالوا بينه وبين ما أعدّه الله له من الكرامة.
لذا نعلن البراءة من الذين هتكوا حرمته ومنعوا حقه، ويُشهد عليهم بأنهم الأخسرون في الآخرة، تفضحهم النار وتكالحهم الوجوه.
الفقرة ⑰ – علي عليه السلام على سنة النبي وبيّنة من ربه
📜 النص:
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَا أَقْدَمْتَ وَلَاٰ أَحْجَمْتَ وَلَاٰ نَطَقْتَ وَلَاٰ أَمْسَكْتَ إِلَّا بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
قُلْتَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدَّامَهُ، فَقالَ: “يَا عَلِيُّ، أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسىٰ إِلَّا أَنَّهُ لَاٰ نَبِيَّ بَعْدِي، وَأُعْلِمُكَ أَنَّ مَوْتَكَ وَحَياتَكَ مَعِي وَعَلَىٰ سُنَّتِي”، فَوَاللهِ مَا كَذِبْتُ وَلَاٰ كُذِّبْتُ، وَلَاٰ ضَلَلْتُ وَلَاٰ ضُلَّ بِي، وَلَاٰ نَسِيتُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، وَإِنِّي لَعَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، بَيَّنَهَا لِنَبِيِّهِ، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لِي، وَإِنِّي لَعَلَىٰ الطَّرِيقِ الْواضِحِ أَلْفِظُهُ لَفْظاً.
صَدَقْتَ وَاللهِ وَقُلْتَ الْحَقَّ.
🔍 الشرح:
إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يصدر منه قول أو فعل إلا بأمر إلهي مباشر أو عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فمنزلته (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) كمنزلة موسى من أخي وخليفته هارون (عليهما السلام).
ثم يُعلن الإمام أنه لم ينسَ ما عهد إليه ربه، ولم يُضل أحدًا، بل هو على بيّنة واضحة وهداية صريحة بيّنها له النبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه.
الفقرة ⑱ – لا يُساوى عليّ بغيره، ومن عدل عنه فقد لُعن
📜 النص:
فَلَعَنَ اللهُ مَنْ ساواكَ بِمَنْ ناواكَ، وَاللهُ جَلَّ اسْمُهُ يَقُولُ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَدَلَ بِكَ مَنْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ وِلايَتَكَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، وَالذَّابُّ عَنْ دِينِهِ.
🔍 الشرح:
إنّ من ساوى عليًا (عليه السلام) بمن ناوأه فقد لُعن، لأنه ظلم الحق وأهله، وتُحتج بالآية ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ للدلالة على تقدم الأعلم على غيره.
وتُبيّن أنّ من عَدَلَ عن ولايته المفروضة من الله إلى غيره فقد خان التكليف الإلهي، لأنّ عليًّا (عليه السلام) هو وليّ الله، وأخو النبي (صلى الله عليه وآله)، وحامي الدين والمدافع عن الرسالة، ولا يجوز أن يُقارَن به أحد ممن خالفه.
الفقرة ⑲ – فضل علي عليه السلام بنصّ القرآن وتمييز المجاهدين
📜 النص:
وَالَّذِي نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَفْضِيلِهِ، قالَ اللهُ تَعالىٰ: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا، دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، وَقالَ اللهُ تَعالىٰ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ..﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
🔍 الشرح:
إنّ القرآن نطق بتمييز أمير المؤمنين (عليه السلام) وتفضيله على غيره من خلال الآيات التي مدحت المجاهدين في سبيل الله، وهم أهل الإيمان الخالص.
وقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) في مقدّمة المجاهدين بماله ونفسه وإيمانه وهجرته، فاستحقّ أن يكون من المصاديق العليا لهذه الآيات.
وتبيّن أنّ الله يفضّل المجاهد على القاعد، وأنّ عمارة الظواهر لا تعادل الإيمان الحقيقي والجهاد الصادق، وفي هذا ردّ على من سوّى بين مَن لم يجاهد ومن قدّم نفسه لله تعالى.
الفقرة ⑳ – علي عليه السلام ممدوح الله والمخلَص لطاعته
📜 النص:
أَشْهَدُ أَنَّكَ الْمَخْصُوصُ بِمِدْحَةِ اللهِ، الْمُخْلِصُ لِطاعَةِ اللهِ، لَمْ تَبْغِ بِالْهُدىٰ بَدَلاً، وَلَمْ تُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أَحَداً، وَأَنَّ اللهَ تَعالَىٰ اسْتَجابَ لِنَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله) فِيكَ دَعْوَتَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِظْهارِ مَا أَوْلاكَ لِأُمَّتِهِ، إِعْلاءً لِشَأْنِكَ، وَإِعْلاناً لِبُرْهانِكَ، وَدَحْضاً لِلْأَباطِيلِ، وَقَطْعاً لِلْمَعاذِيرِ.
🔍 الشرح:
إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ممدوحٌ في كتاب الله، مخلَص في طاعته، لم يشرك في العبادة، ولم يبدّل طريق الهدى.
كما تؤكد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعا له “اللهم إنّي أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرًا من أهلي عليًا أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا” واستُجيبت دعوته، ثم أمره الله بإظهار ولايته للأمة، لرفع شأنه، وبيان حجته، وإسقاط أعذار المنكرين، ودحض الباطل بولاية الحق.
الفقرة ㉑ – تبليغ ولاية علي رغم الفتن بأمر الله تعالى
📜 النص:
فَلَمَّا أَشْفَقَ مِنْ فِتْنَةِ الْفاسِقِينَ، وَاتَّقىٰ فِيكَ الْمُنافِقِينَ، أَوْحىٰ إِلَيْهِ رَبُّ الْعالَمِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ، وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فَوَضَعَ عَلَىٰ نَفْسِهِ أَوْزارَ الْمَسِيرِ، وَنَهَضَ فِي رَمْضاءِ الْهَجِيرِ، فَخَطَبَ وَأَسْمَعَ وَنَادَىٰ فَأَبْلَغَ.
🔍 الشرح:
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يخشى فتنة الفاسقين وتآمر المنافقين عند إعلان ولاية علي (عليه السلام)، لكن الله أمره بتبليغها صريحًا، وطمأنه بالعصمة من الناس.
فأدى النبي (صلى الله عليه وآله) التكليف الإلهي، رغم مشقة الطريق وحرّ الهجير في غدير خم، وخطب خطبة مطولة جامعة علنية بلّغ فيها ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بكل وضوح وإبلاغ، لا يدع لأحد حجة.
الفقرة ㉒ – يوم الغدير: بيعة الأمة والنصّ على ولاية علي عليه السلام
📜 النص:
ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَجْمَعَ، فَقالَ: “هَلْ بَلَّغْتُ؟” فَقالُوا: اللّٰهُمَّ بَلَىٰ.
فَقالَ: “اللّٰهُمَّ اشْهَدْ”.
ثُمَّ قالَ: “أَلَسْتُ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟”
فَقالُوا: “بلىٰ”.
فَأَخَذَ بِيَدِكَ، وَقالَ: “مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ،
اللّٰهُمَّ والِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ”.
🔍 الشرح:
تصوّر هذه الفقرة اللحظة الفاصلة في يوم الغدير، حين أقرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمام الجمع بأنّه بلّغ، فأقرّت الأمة، ثم أكد ولايته على المؤمنين، وسألهم إن كان أولى بهم من أنفسهم فأقرّوا.
عندها رفع يد الإمام علي عليه السلام وأعلن ولايته بنص واضح: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، ودعا لمن والاه بالنصر، وعلى من عاداه بالخُذلان، فكان هذا تتويجًا ربانيًّا لولاية عليّ عليه السلام أمام الأمة جمعاء.
الفقرة ㉓ – قلّة المؤمنين بولايته وبشارة حزب الله الغالبين
📜 النص:
فَمَا آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيكَ عَلَىٰ نَبِيِّهِ إِلَّا قَلِيلٌ، وَلَاٰ زَادَ أَكْثَرَهُمْ غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعالىٰ فِيكَ مِنْ قَبْلُ وَهُمْ كَارِهُونَ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ..﴾
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ..﴾
﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..﴾
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ..﴾
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا..﴾.
🔍 الشرح:
إنّ القليل من الأمة آمن بولاية علي (عليه السلام) بعد إعلانها يوم الغدير، بينما أعرض أكثرهم وخسروا.
وتُستشهد بآيات بيّنة أنّ الله وعد بأن يأتي بقوم يحبونه ويحبونه، وهم حزب الله الحقيقي، وتنطبق صفاتهم على أمير المؤمنين وأتباعه.
ثم يُذكّر بآيات نزلت في علي (عليه السلام).
الفقرة ㉔ – دعاء على الجاحدين بولاية علي وتحذير من مصير الظالمين
📜 النص:
اللّٰهُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فَالْعَنْ مَنْ عَارَضَهُ، وَاسْتَكْبَرَ، وَكَذَّبَ بِهِ، وَكَفَرَ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.
🔍 الشرح:
إقرارٍ واضح بأنّ الولاية لعلي (عليه السلام) هي الحق من عند الله بلا شك، ثم يُرفع الدعاء إلى الله بلعن من عارض هذا الحق، وجحده، واستكبر عنه، وكذّب به، فكان من الكافرين.
وتُختَتم بالتهديد لهم: أنهم سيواجهون عاقبة جحودهم وعدوانهم في الدنيا والآخرة، لأنهم ظلموا الحق وأهله.
الفقرة ㉕ – علي عليه السلام: سيد الزاهدين والمُطعِم في سبيل الله
📜 النص:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيِّدَ الْوَصِيِّينَ، وَأَوَّلَ الْعابِدِينَ، وَأَزْهَدَ الزَّاهِدِينَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ،
أَنْتَ مُطْعِمُ الطَّعامِ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً لِوَجْهِ اللهِ، لَاٰ تُرِيدُ مِنْهُمْ جَزاءً وَلَاٰ شُكُوراً، وَفِيكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعالىٰ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
🔍 الشرح:
تَذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) بأوصافه التي تميز بها: سيد الأوصياء، أول العابدين، وزاهد الزاهدين، ثم تشيد بموقفه العظيم في إطعام المسكين واليتيم والأسير خالصًا لوجه الله، وهي الحادثة التي نزلت فيها آيات سورة الإنسان.
وتُشير إلى آية الإيثار من سورة الحشر، التي تنطبق عليه في تقديم الآخرين على نفسه رغم شدة الحاجة، مما يُظهر كمال الإخلاص وطهارة النفس.
الفقرة ㉖ – علي عليه السلام: كاظم الغيظ، العادل، والعالم بحدود الله
📜 النص:
وَأَنْتَ الْكاظِمُ لِلْغَيْظِ، وَالْعافِي عَنِ النَّاسِ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَأَنْتَ الصَّابِرُ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، وَأَنْتَ الْقاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَالْعالِمُ بِحُدُودِ اللهِ مِنْ جَمِيعِ الْبَرِيَّةِ.
🔍 الشرح:
تُبيّن هذه الفقرة أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان كاظمًا للغيظ، عافيًا عن من ظلمه، محسنًا إلى الناس رغم أذاهم، وهي صفات قرآنية رفيعة.
كما تُثني عليه بأنّه صابر في الشدائد، وحكيم في القسمة، وعادل في الحكم والرعية، وهو أعلم الناس بحدود الله وأحكامه، لا يُجاريه أحد في فقه الدين وقسط العدل، فكان إمامًا في الخُلق والحُكم والشرع.
الفقرة ㉗ – علي عليه السلام: لا يُساوى بالفاسق، وهو العارف بالتنزيل والتأويل
📜 النص:
وَاللهُ تَعالىٰ أَخْبَرَ عَمَّا أَوْلاكَ مِنْ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ، أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وَأَنْتَ الْمَخْصُوصُ بِعِلْمِ التَّنْزِيلِ، وَحُكْمِ التَّأْوِيلِ، وَنَصِّ الرَّسُولِ.
🔍 الشرح:
إنّ الله تعالى نفى المساواة بين المؤمن والفاسق، وأنّ عليًّا (عليه السلام) هو من أكمل المؤمنين وأعلاهم مقامًا، فلا يُقاس به من خالفه من الفُساق.
وتُعلن أنّه الوحيد الذي خُصّ بعلم التنزيل (ظاهر القرآن) وحكم التأويل (باطنه ومعانيه الدقيقة)، وقد نصّ عليه النبي (صلى الله عليه وآله) علنًا، بتكليفٍ إلهي واضح.
الفقرة ㉘ – علي عليه السلام: بطل بدر والأحزاب وثابت القلوب في الفتن
📜 النص:
وَلَكَ الْمَواقِفُ الْمَشْهُودَةُ، وَالْمَقاماتُ الْمَشْهُورَةُ، وَالْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ، يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْأَحْزابِ، ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ: مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا، وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾. وَقالَ اللهُ تَعالىٰ: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾، فَقَتَلْتَ عَمْرَهُمْ، وَهَزَمْتَ جَمْعَهُمْ، وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَىٰ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللهُ قَوِيَّاً عَزِيزاً.
وَيَوْمَ أُحُدٍ إِذْ يُصْعِدُونَ وَلَاٰ يَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْراهُمْ، وَأَنْتَ تَذُودُ بُهَمَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ النَّبِيِّ، ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمَالِ، حَتَّىٰ رَدَّهُمُ اللهُ تَعالىٰ عَنْكُما خائِفِينَ، وَنَصَرَ بِكَ الْخاذِلِينَ. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَىٰ مَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيلُ (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْتَ وَمَنْ يَلِيكَ ، وَعَمُّكَ الْعَبَّاسُ يُنادِي الْمُنْهَزِمِينَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، يَا أَهْلَ بَيْعَةِ الشَّجَرَةِ ، حَتَّىٰ اسْتَجابَ لَهُ قَوْمٌ قَدْ كَفَيْتَهُمُ الْمَؤُونَةَ ، وَتَكَفَّلْتَ دُونَهُمُ الْمَعُونَةَ ، فَعَادُوا آيِسِينَ مِنَ الْمَثُوبَةِ ، رَاجِينَ وَعْدَ اللهِ تَعالىٰ بِالتَّوْبَةِ ، وَذٰلِكَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ)
وَأَنْتَ حَائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبْرِ فائِزٌ بِعَظِيمِ الْأَجْرِ ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ إِذْ أَظْهَرَ اللهُ خَوَرَ الْمُنافِقِينَ ، وَقَطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا).
🔍 الشرح:
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) هو صاحب المواقف العظيمة والمقامات الشريفة التي سُجّلت في التاريخ، وبالخصوص غزوة بدر أول نصر للإسلام، وغزوة الأحزاب التي تزعزعت فيها القلوب إلا قلبه (عليه السلام).
وبينما فرّ المنافقون وتردد ضعفاء الإيمان، ثبت هو (عليه السلام) فقاتل وحده حين انكفأ الجميع، وكان هو العُدّة والطمأنينة والثقة في معارك كانت فاصلة بين الإيمان والكفر ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله): “ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين“.
وكما تستعرض المواقف البطولية لأمير المؤمنين (عليه السلام) في أحد، وحنين، وخيبر.
فهو الذي ثبت حين فرّ الناس، وقاتل حين ارتبك القوم، وذبّ عن رسول الله بنفسه، حتى نصر الله به الإسلام.
ثبت حين فرّوا، وضرب حين تراجعوا، وكان في كل معركة علمًا للهداية، ومصداقًا للصبر والجهاد والتقوى.
الفقرة ㉙ – كان مع النبي مدافعًا عنه في جميع المواطن
📜 النص:
مَوْلايَ أَنْتَ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، وَالْمَحَجَّةُ الْواضِحَةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّابِغَةُ، وَالْبُرْهانُ الْمُنِيرُ، فَهَنِيئاً لَكَ بِما آتاكَ اللهُ مِنْ فَضْلٍ، وَتَبّاً لِشانِئِكَ ذِي الْجَهْلِ، شَهِدْتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَمِيعَ حُرُوبِهِ وَمَغازِيهِ، تَحْمِلُ الرَّايَةَ أَمامَهُ، وَتَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدَّامَهُ، ثُمَّ لِحَزْمِكَ الْمَشْهُورِ، وَبَصِيرَتِكَ فِي الْأُمُورِ أَمَّرَكَ فِي الْمَواطِنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ أَمِيرٌ.
🔍 الشرح:
علو مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفته الحجة والبرهان الإلهي الواضح، وتجسد عظيم فضله وعلو درجته في ميادين الجهاد.
كان لواء النبي بيده (صلى الله عليه وآله)، وسيفه حاسمًا في المعارك، وكلّفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمواقع المفصلية لثقة النبي (صلى الله عليه وآله) بعقله وحزمه وبصيرته، حتى لم يجعل فوقه أمير قط.
هو القائد المطاع في الميدان، والنصير الثابت في كل نزال.
الفقرة ㉚ – أمر الله باتباعه وفَضَلَ جهاده
📜 النص:
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالىٰ بِاتِّباعِكَ، وَنَدَبَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَىٰ نَصْرِكَ، وَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، مَوْلايَ بِكَ ظَهَرَ الْحَقُّ، وَقَدْ نَبَذَهُ الْخَلْقُ، وَأَوْضَحْتَ السُّنَنَ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَالطَّمْسِ، فَلَكَ سابِقَةُ الْجِهادِ عَلَىٰ تَصْدِيقِ التَّنْزِيلِ، وَلَكَ فَضِيلَةُ الْجِهادِ عَلَىٰ تَحْقِيقِ التَّأْوِيلِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوُّ اللهِ جاحِدٌ لِرَسُولِ اللهِ، يَدْعُو باطِلاً، وَيَحْكُمُ جائِراً، وَيَتَأَمَّرُ غاصِباً، وَيَدْعُو حِزْبَهُ إِلَىٰ النَّارِ.
🔍 الشرح:
وجوب اتباع علي (عليه السلام)، الذي أمر به القرآن الكريم بقوله (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، ويظهر فضل جهاده في نصرة الحق والتأويل.
فهو أول من جاهد مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وأعاد معالم الدين بعد اندراسها، بينما خالفه أعداؤه وظلموه وتسلطوا على الأمة غصباً، فدعاهم الباطل ودعوا هم إلى النار.
الفقرة ㉛ – اللعن لمن خذله وحاربه
📜 النص:
لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ أَجْمَعِينَ عَلَىٰ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ عَلَيْكَ، وَسَلَلْتَ سَيْفَكَ عَلَيْهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِلىٰ يَوْمِ الدِّينِ، وَعَلَىٰ مَنْ رَضِيَ بِما سَاءَكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ، وَأَغْمَضَ عَيْنَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ، أَوْ أَعانَ عَلَيْكَ بِيَدٍ أَوْ لِسانٍ، أَوْ قَعَدَ عَنْ نَصْرِكَ، أَوْ خَذَلَ عَنِ الْجِهادِ مَعَكَ، أَوْ غَمَطَ فَضْلَكَ، وَجَحَدَ حَقَّكَ، أَوْ عَدَلَ بِكَ مَنْ جَعَلَكَ اللهُ أَوْلىٰ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ.
🔍 الشرح:
اللعن الصريح لقتلة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن خذله ورضي بظلمه، سواء بالمباشرة أو بالسكوت، ويؤكد أن هؤلاء في حكم الله مطرودون ملعونون، لأنهم أنكروا الحق الإلهي الثابت لعلي (عليه السلام)، وعدلوا به من لا يستحق، وهو خيانة لله ولرسوله ولدينه.
الفقرة ㉜ – غصب فدك وظلامة الزهراء (عليها السلام)
📜 النص:
وَالْخَطْبُ الْأَفْظَعُ بَعْدَ جَحْدِكَ حَقَّكَ غَصْبُ الصِّدِيقَةِ الطَّاهِرَةِ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ فَدَكاً، وَرَدُّ شَهادَتِكَ وَشَهادَةِ السَّيِّدَيْنِ سُلالَتِكَ وَعِتْرَةِ الْمُصْطَفىٰ صَلَّى اللهُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْلَى اللهُ تَعالىٰ عَلَى الْأُمَّةِ دَرَجَتَكُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَكُمْ، وَأَبانَ فَضْلَكُمْ، وَشَرَّفَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ، فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ)، فَاسْتَثْنَىٰ اللهُ تَعالىٰ نَبِيَّهُ الْمُصْطَفىٰ، وَأَنْتَ يَا سَيِّدَ الْأَوْصِياءِ، مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ.
🔍 الشرح:
أعظم ظلامة بعد إنكار حق أمير المؤمنين (عليه السلام)، هي غصب فدك من الزهراء البتول (عليها السلام)، وردّ شهادتها وشهادة سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام) الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، رغم أن الله طهّركم تطهيراً ورفع مقامكم فوق الخلق.
وفيها بيان أنكم ــ مع النبي (صلى الله عليه وآله) ــ مستثنون من صفات الضعف البشري كالهلع والجزع، لأنكم أهل الصلاة والطهارة والعصمة.
الفقرة ㉝ – ظلمهم له ومحنه كابتلاءات الأنبياء
📜 النص:
فَما أَعْمَهَ مَنْ ظَلَمَكَ عَنِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَفْرَضُوكَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَىٰ مَكْراً، وَأَحادُوهُ عَنْ أَهْلِهِ جَوْراً، فَلَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْكَ أَجْرَيْتَهُمْ عَلَىٰ مَا أَجْرَيَا، رَغْبَةً عَنْهُما بِمَا عِنْدَ اللهِ لَكَ، فَأَشْبَهَتْ مِحْنَتُكَ بِهِما مِحَنَ الْأَنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عِنْدَ الْوَحْدَةِ وَعَدَمِ الْأَنْصارِ، وَأَشْبَهْتَ فِي الْبَياتِ عَلَى الْفِراشِ الذَّبِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذْ أَجَبْتَ كَما أَجابَ، وَأَطَعْتَ كَما أَطاعَ، إِسْمَاعِيلُ صَابِراً مُحْتَسِباً، إِذْ قالَ لَهُ: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ، قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). وَكَذَلِكَ أَنْتَ لَمَّا أَباتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَمَرَكَ أَنْ تَضْجَعَ فِي مَرْقَدِهِ، واقِياً لَهُ بِنَفْسِكَ، أَسْرَعْتَ إِلَىٰ إِجابَتِهِ مُطِيعاً، وَلِنَفْسِكَ عَلَى الْقَتْلِ مُوَطِّناً، فَشَكَرَ اللهُ تَعالىٰ طَاعَتَكَ، وَأَبَانَ عَنْ جَمِيلِ فِعْلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ).
🔍 الشرح:
تصف هذه الفقرة مظلومية أمير المؤمنين (عليه السلام) حين حُرم سهم ذوي القربى، وسُلِب حقّه وميراث أهله، ومع ذلك عامل خصومه بالعدل والانصاف.
وتُشَبِّه محنته بمحن الأنبياء (عليهم السلام)، وخاصة إسماعيل (عليه السلام) في موقفه من الذبح، حيث أطاع أمر الله بتسليم تام، وكذلك باتَ عليٌّ (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) مخاطراً بنفسه حين أمره النبيُّ (صلى الله عليه وآله) أن ينام في فراشه ليلة الهجرة ليتوهّم المشركون وجوده ويُصرفوا عنه، فاستجاب (عليه السلام) دون تردد، موطنًا نفسه على القتل فداءً للنبي. وقد أثنى الله على هذه التضحية في القرآن الكريم، فجعلها عنوانًا لمن يبيع نفسه طلبًا لرضاه.
الفقرة ㉞ – عجز الناس عن إدراك مقامك
📜 النص:
فَمَا يُحِيطُ الْمَادِحُ وَصْفَكَ، وَلَاٰ يُحْبِطُ الطَّاعِنُ فَضْلَكَ، أَنْتَ أَحْسَنُ الْخَلْقِ عِبَادَةً، وَأَخْلَصُهُمْ زَهَادَةً، وَأَذَبُّهُمْ عَنِ الدِّينِ، أَقَمْتَ حُدُودَ اللهِ بِجُهْدِكَ، وَفَلَلْتَ عَسَاكِرَ الْمَارِقِينَ بِسَيْفِكَ، تُخْمِدُ لَهَبَ الْحُرُوبِ بِبَنانِكَ، وَتَهْتِكُ سُتُورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ، وَتَكْشِفُ لَبْسَ الْباطِلِ عَنْ صَرِيحِ الْحَقِّ، لَاٰ تَأْخُذُكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَفِي مَدْحِ اللهِ تَعالىٰ لَكَ غِنىً عَنْ مَدْحِ الْمادِحِينَ وَتَقْرِيظِ الْواصِفِينَ، قالَ اللهُ تَعالىٰ: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ، وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
🔍 الشرح:
تشهد هذه الفقرة لعليٍّ (عليه السلام) بالكمال المطلق في الإخلاص والطاعة والجهاد، فلا يستطيع أحد أن يحيط بفضله، ولا أن ينقص من قدره طاعن، كيف وقد امتدحه الله في كتابه، وجعل صفاته مطابقةً لصفات أوليائه المخلصين، الذين لم يبدّلوا عهدهم، فبعضهم استشهد، وبعضهم ينتظر، ولا ريب أنّ عليًا (عليه السلام) أول هؤلاء صدقًا وثباتًا وتضحية.
الفقرة ㉟ الأخيرة – دعاء الخاتمة بالتمسّك بالولاية
📜 النص:
اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَىٰ عَلِيٍّ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَاجْعَلْنَا بِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ، وَبِوِلايَتِهِمْ مِنَ الْفَائِزِينَ الْآمِنِينَ، الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
🔍 الشرح:
خُتمت الزيارة بالدعاء إلى الله تعالى بالصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وعليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وآله بيتهم الطاهرين، مع الطلب من الله التوفيق للثبات على التمسك بهم وبولايتهم، لنفوز كما فاز الذين لا خوف عليهم يوم القيامة ولا هم يحزنون، لأنهم تمسكوا بالحق وأهله، وسلكوا الصراط المستقيم بولاية محمد وآله (صلى الله عليه وآله).