ما الدليل على عدم تحريف القرآن الكريم؟

ما الدليل على عدم تحريف القرآن الكريم من كتب الشيعة, وإثبات أنّ في كتب المخالفين القول بتحريف القرآن الكريم؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، أهل الذكر الذين أُمرنا بسؤالهم، والراسخون في العلم الذين يُرد تأويل الكتاب إليهم، والمطهرون الذي يمسونه.

أما بعد فنقول: اعتقادنا في القرآن الكريم؛ أنّه كلام الله تعالى، ووحيه، وتنزيله، وقوله، وكتابه، وأنّه (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) .

ولا شك أنّ الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله، وليس فيه شيء من كلام البشر ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك.

ومبلغ سوره عند الناس؛ مئة وأربع عشرة سورة، وعندنا أنّ (الضُّحَى)  و(أَلَمْ نَشْرَحْ)  سورة واحدة، و(لإيلافِ)  و(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ)  سورة واحدة. وأنّ البسملة جزء من كل سورة خلا سورة براءة .

ومن نسب إلينا أنّا نقول: إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب .

ونعتقد أنّ القرآن كان قد جمع، وكتب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد جمعه عدة من الصحابة في عهده صلى الله عليه وآله، والذي يدلنا على أن القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حديث الثقلين، فقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في قول النبي صلى الله عليه وآله: «إنِّي تارِكٌ فيكم الثَّقَلَيْنِ كتابَ اللهِ وعِتْرتي» . وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوباً مجموعاً، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب على ما محفوظاً في الصدور فقط .

وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن، وألفه بحسب أسباب النزول، فقدم المكي على المدني، والمنسوخ على الناسخ، مع تأويله الذي أُنزل معه  .

ونعتقد أن القرآن نزل بحرف واحد  – أي بقراءة واحدة -.

أما في شأن ما نُسب إلينا من القول بتحريف القرآن فنقول: قد يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدة معان منها:

الأول: نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره، ومنه قوله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ، وقوله تعالى: (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) . وهذا واقع لا محالة فقد غُيّر وبُدّل في معاني القرآن الكريم.

الثاني: التحريف بالزيادة؛ بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل! وهذا مجمع على بطلانه عندنا .

الثالث: التحريف بالنقيصة؛ بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نُزِّل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس! والمشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، بطلان ذلك .

وقد استدل أصحابنا على عدم التحريف بعدة أدلة منها:

الأول: قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) . فإنّ في هذه الآية دلالة على حفظ القرآن من التحريف، والتلاعب فيه.

الثاني: قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) . فقد دلت هذه الآية الكريمة على نفي الباطل بجميع أقسامه عن الكتاب فإنّ النفي إذا ورد على الطبيعة أفاد العموم، ولا شبهة في أنّ التحريف من أفراد الباطل، فيجب أن لا يتطرق إلى الكتاب العزيز. فالآية دالة على تنزيه القرآن في جميع الأعصار عن الباطل بجميع أقسامه، والتحريف من أظهر أفراد الباطل فيجب أن يكون مصوناً عنه، ويشهد لدخول التحريف في الباطل، الذي نفته الآية عن الكتاب؛ أنّ الآية وصفت الكتاب بالعزة، وعزة الشيء تقتضي المحافظة عليه من التغيير والضياع .

الثالث: ورد ما يرد من إختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه، فما وافقه عُمل عليه، وما خالفه تُجُنب ولم يُلتفت إليه، فقد روي بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «اَلْوُقُوفُ عِنْدَ اَلشُّبْهَةِ خَيْرٌ مِنَ اَلاِقْتِحَامِ فِي اَلْهَلَكَةِ، إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَعَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً، فَمَا وَافَقَ كِتابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَمَا خَالَفَ كِتابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ» .

الرابع: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد، أنّه قال: (إنّي مُخَلِّفٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ، ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا، كِتابَ اللَّهِ وعِترَتي أهلَ بَيتي، فَإِنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى‌ يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ) . وهذا يدل على أنّه موجود في كل عصر، لأنّه لا يجوز أن يأمرنا بالتّمسّك بما لا يُقدر على التمسّك به.

الخامس: رواياتنا متظافرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه  .

السادس: وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كله، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة، والنهي عن القرآن بين سورتين في ركعة فريضة، تصديق لما قلناه في أمر القرآن، وأنّ مبلغه ما في أيدي الناس. وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة، وأنّه لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام ، تصديق لما قلناه أيضاً .

وقد نهينا في صحاح الأخبار عن قراءة غير ما في أيدي الناس، وإن رويت أخبار آحاد؛ فيها أحرف تزيد على الثابت في المصحف لا يقطع على الله تعالى بصحتها, والتي لا توجب علماً، ولا عملاً، فلذا تركناها ولم نعمل بها، ووقفنا فيها، ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به .

مع أنّه يُحتمل أن يكون المراد من الروايات التي يُتوهم منها التحريف: قراءة أخرى خاصة بأهل البيت عليهم السلام، كغيرها من القراءات لكنّها لم تُشتهر كالقراءة المتداولة، ولكنّه إحتمالٌ ضعيف لا تقويه الأدلة المتوفرة بين أيدينا .

ومن ادعى التحريف تجده يستدل على مقالته بروايات العامة التي جعل الله الرشد في خلافهم ، وقد أُمرنا بترك ما وافقهم، ونَرد علم ذلك لهم عليهم السلام، «فَإِنَّ اَلْوُقُوفَ عِنْدَ اَلشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ اَلاِقْتِحَامِ فِي اَلْهَلَكَاتِ» .

ونختم بقوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) .  

جواب الشيخ حيدر الموله

سؤال موجه إلى الموقع من مهند رائد، من مدينة الحلة.