أقام الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة المكرمة، من 3 شعبان إلى 8 ذو الحجة سنة 60 هـ (أي قرابة 125 يومًا)، وكانت إقامته (عليه السلام) مليئًا بالتحركات السياسية والإعلامية والدينية، وليس مجرد إقامة عادية.
📍 أولًا: الدخول إلى مكة (3 شعبان 60 هـ)
دخل الإمام الحسين (عليه السلام) مكة ليلة الجمعة، الثالث من شعبان، بعد أن خرج من المدينة سرًا رافضًا بيعة يزيد.
قال الشيخ المفيد في الإرشاد:”دخل الحسين (عليه السلام) مكة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وذي القعدة وثماني ليالٍ من ذي الحجة”.
📍 ثانيًا: إقامة شعائر مكثفة وإعلان نهج أهل البيت
خلال مقامه في مكة، كان الإمام (عليه السلام):
1- يخطب في الناس، مذكّرًا بمقام أهل البيت الشرعي.
2- يُظهر مظلوميته ومظلومية الأمة.
3- يُعلن براءته من يزيد علنًا.
قال الصدوق في الأمالي:”قام الحسين (عليه السلام) يخطب، فقال: أيها الناس، من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرم الله… ولم يغيّر عليه بفعل أو قول، كان حقًا على الله أن يدخله مدخله”. هذا الخطاب هو إعلان رسمي بانفصال الإمام عن السلطة الأموية، وقد ألقاه في المسجد الحرام، أمام الحجيج.
📍 ثالثًا: التحشيد وكسب الأنصار
طوال هذه الأشهر، كانت تأتي الوفود من اليمن، والبحرين، والمدينة، والعراق، وحتى الحجاز، فكان الإمام (عليه السلام): يلتقي بهم شخصيًا. ويشرح موقفه من يزيد. ويطلب منهم إعداد العدة للنهضة إذا اقتضى الحال.
ذكر الطبري (نقلًا عن أبي مخنف): “وكانت كتب أهل الكوفة تتوالى على الحسين (عليه السلام)، وهو يقرأها ويقول: هؤلاء أهل الكوفة قد ملؤوا قلبي أملًا”.
وقال المفيد في الإرشاد: “ورد عليه في يوم واحد ست مئة كتاب، وتتابعت الكتب حتى اجتمع عنده ما يزيد على اثني عشر ألف كتاب”.
📍 رابعًا: إرسال مسلم بن عقيل سفيرًا إلى الكوفة
بعد تراكم الرسائل، قرر الإمام (عليه السلام) إرسال مسلم بن عقيل (عليه السلام) ليتحقق من صدق الكوفيين.
قال المفيد: “كتب إليه أهلها بكتب كثيرة… فبعث إليهم مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي، وأمره بالتقوى وكتمان أمره والنصيحة، فإن وجد القوم مجتمعين مستعدين كتب إليه”. هذه الخطوة كانت سياسية استخبارية بامتياز: لا يتحرك إلا بعد تحقق الأرضية.
📍 خامسًا: محاولة الاغتيال في مكة
بقي الإمام في مكة حتى أوائل ذو الحجة، لكن بدأت أخبار دسيسة باغتياله تنتشر.
قال المفيد في الإرشاد: “أقبل الحسين (عليه السلام) على أصحابه وقال: قد أتانا خبر أن يزيد بعث رجالًا ليغتالوني في المسجد الحرام، فإني خارجٌ إلى العراق”.
قال الطبري في تأريخه: “بلغه أن يزيد بعث من يأمر بقتله سرًا في مكة، فخرج لئلا تُهتك حرمة البيت”. وهذا يثبت أن خروجه من مكة لم يكن تراجعًا عن الحج، بل حفاظًا على قدسية الكعبة، وإفشالًا لمخطط اغتياله سياسيًا أمام الناس.
📍 سادسًا: إعلان الهجرة ليلة التروية (8 ذو الحجة)
وفي أوج موسم الحج، وكان آلاف المسلمين في مكة، أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) الرحيل، وخرج علنًا.
قال ابن طاووس في اللهوف: “خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة يوم التروية، ومعه أهل بيته وأنصاره، وترك الحج واعتمر عمرة مفردة”. هذه اللحظة كانت رسالة للناس: “الدين الحقيقي ليس طقوسًا بلا موقف، بل موقف ولو على حساب الطقوس”.
📝 الخلاصة:
أقام الإمام (عليه السلام) في مكة واستثمر موقعه داخل الحرم للقيام بأربعة أدوار مفصلية:
1- تثبيت شرعيته الدينية والسياسية أمام الناس.
2- فضح السلطة الأموية أمام العالم الإسلامي.
3- جسّ نبض الأمة عبر الرسائل.
4- التهيئة المعنوية للنهضة القادمة.