الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام

قالت الإماميّة: أنّ الإمام بعد الرسول صلّى الله عليه وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ويدلّ عليه وجوه منها:

الأوّل: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً وإلّا – إن لم يكن معصوماً – لزم التّسلسل، والتّالي – وهو التّسلسل – باطل، فالمقدّم – وهو عدم العصمة – مثله – باطل -.

بيان ذلك: إنّ العلّة المقتضية لوجوب نصب الإمام، جواز الخطأ على المكلف، فلو جاز عليه الخطأ، لوجب افتقاره إلى إمام آخر، فيكون لطفاً له وللأمّة أيضاً، ويتسلسل.

ولا أحد من الصّحابة والذّين ادّعي لهم الإمامة غيره بمعصوم وهما أبي بكر والعبّاس، بل انعقد الإجماع على أنّهما كانا مشركين فلا يصلحان للإمامة، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[1] ، ولقوله ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[2]، والعهد هنا الإمامة. وعليّ عليه السّلام لم يسبق له كفر، فتعيّن للإمامة.

الثّاني: الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته، لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً وسمعاً لقوله تعالى:﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهدى[3]. ويدخل في ذلك كونِه: أعلم، وأشجع.

وأنّه عليه السّلام كان أفضل الصّحابة، وذلك من وجوه:

الأوّل: أنّه عليه السّلام كان شديد الملازمة للنّبي صلّى الله عليه وآله بحيث لا ينفكّ عنه في أكثر الأوقات. ومع حصول القابل وتحقّق المؤثّر وانتفاء الموانع يحصل التأثّر على أبلغ أحواله[4].

الثّاني: قوله صلّى الله عليه وآله: «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ»[5]، وقول عمر: «أَقْضَانَا عَلِيٌّ»[6]، وقول ابن مسعود: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنْ أَقْضَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»[7]، والقضاء يستلزم العلم والدين.

وقول النّبي صلّى الله عليه وآله لفاطمة عليها السّلام: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنِّي زَوَّجْتُكِ أَقْدَمَهُمْ سِلْمًا، وَأَكْثَرَهُمْ عِلْمًا وَأَفْضَلَهُمْ حِلْمًا»[8].

وقالت عائشة في عليّ عليه السّلام: «أَمَا إِنَّهُ لأَعْلَمُ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ»[9]. وقال ابن مسعود: «إِنَّ أَعْلَمَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْفَرَائِضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»[10].

وقال الإمام الحسن في أمير المؤمنين عليه السّلام: «لَقَدْ فَارَقَكُمْ بِالْأَمْسِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ، إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَبْعَثُهُ الْمَبْعَثَ فَيُعْطِيهِ الرَّايَةَ، جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، فَمَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ»[11], وغير ذلك[12].

الثّالث: أنّ الصّحابة كانوا يرجعون إليه في الأحكام ويأخذون عنه الفتاوى، ويقلّدونه، ويرجعون عن اجتهادهم إذا خالفهم، وأخطأ أكثرهم في الأحكام، ودلّهم على زللهم، فرجعوا إليه[13].

الرّابع: أنّه عليه السّلام كان أشجع الصّحابة، حتّى أنّ الفتوح بأجمعها كانت على يده، ولم يبارزه أحد إلّا قتله. ووقائعه في الحروب مشهورة لا تحصى كثرة. ولم يسبقه أحد تقدّمه، ولا لحقه من تأخر عنه[14].

وبما أنّه ثبت أنّه أفضل، كان أولى من غيره، لما تقدّم، فيكون هو الإمام.


[1] سورة لقمان عليه السّلام: آية 13.

[2] سورة البقرة: آية ١٢٤.

[3] سورة يونس عليه السّلام: آية 35.

[4] قال الثّعلبي (المتوفى سنة ٤٢٧ هـ): «أما عليّ- كرّم الله وجهه- فهو أكثرهم تفسيراً للقرآن وذلك لأنّه لم يشغل بالخلافة، وإنّما كان متفرّغا للعلم حتّى نهاية عصر عثمان. وكثرة مرافقته للرسول صلّى الله عليه وسلم، وسكناه معه، وزواجه من ابنته فاطمة إلى جانب ما حباه الله من الفطرة السّليمة.. كلّ ذلك أورثه العلم الغزير حتّى قالت عائشة: «أما إنّه لأعلم النّاس بالسّنّة» في زمن كان الصّحابة متوافرين.

وروى معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطّفيل قال: شهدت عليّاً يخطب، وهو يقول: «سلوني فو الله، لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله فو الله، ما من آية إلّا أنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل» .

وقيل لعطاء: «أكان في أصحاب محمّد أعلم من عليّ؟ قال: لا، والله لا أعلمه».

وقال ابن مسعود: «إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظّاهر والباطن». أنظر تفسير الثّعالبي (ت ٨٧٥هـ): ج 1, ص 52 – ٥٣.

[5] الاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ) : ج 3, ص ١١٠٢ ؛ وفيه «أقضاهم عليّ بْن أَبِي طالبٍ». والسّنن الكبرى للبيهقي (ت 458 هـ): ج 10, ص ٤٥٤, ح ٢١٢٩٦؛ وفيه قول الحجاج: «قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَقْضَاهُمْ». وأنظر العقد الثّمين لتقيّ الدّين الفاسي (ت ٨٣٢ هـ) : ج 5, ص ٢٧٢. إيضاح طرق الإستقامة لإبن المِبْرَد الحنبلي (ت ٩٠٩ هـ) : ص 27.

[6] صحيح البخاري: ح 4481.

[7] المستدرك على الصّحيحين (ط العلمية) للحاكم النّيسابوري (ت 405 هـ): ج 3, ص ١٤٥, ح ٤٦٥٦؛ وقال عنه الحاكم: صحيح على شرط الشّيخين. والطّبقات الكبرى (ط الخانجي) لإبن سعد (ت ٢٣٠ هـ): ج 2, ص ٢٩٢ – 293. و تاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠٥.

[8] فضائل الصّحابة (مؤسّسة الرّسالة) لأحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ) : ج 2, ص ٧٦٤, ح 1346. والمعجم الكبير للطّبراني (ت ٣٦٠هـ): ج 20, ص ٢٢٩, ح ٥٣٨. المصنّف لعبد الرّزاق (ت ٢١١هـ),  تحقيق الأعظمي: ج 5, ص ٤٨٩, ح ٩٧٨٣. المصنّف لإبن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ), تحقيق كمال الحوت: ج 6, ص ٣٧٤, ح ٣٢١٣١. وقال عنه الهيثمي (ت ٨٥٢ هـ) : رواه أحمد والطّبراني برجال وثّقوا. أنظر مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد: ج 9, ص ١١٤, ح ١٤٦٦٩.

[9] الاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ) : ج 3, ص ١١٠4. وتفسير الث!عالبي (ت ٨٧٥هـ): ج 1, ص 52 – ٥٣. والعقد الثّمين لتقي الدّين الفاسي (ت ٨٣٢ هـ) : ج 5, ص ٢٧٢. 

[10] فضائل الصحابة (مؤسّسة الرسالة) لأحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ) : ج 1, ص ٥٣٤, ح 888. وأنساب الأشراف للبلاذري (ت ٢٧٩هـ) : ج 3, ص ١٠٥, ح ٤٠. والاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ) : ج 3, ص ١١٠٥. وتاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠٥.

وقال ابن مسعود: «أفرض أهل المدينة وأقضاها عليّ بن أبي طالب». أنظر تاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠٥.

وعن الشّعبي قال: «ليس منهم أحد أقوى قولاً في الفرائض من عليّ بن أبي طالب». أنظر تاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠٥.

[11] السّنن الكبرى (ط الرّسالة) للنّسائي (ت ٣٠٣هـ): ج 7, ص 416, ح ٨٣٥٤. والمسند (ط دار الحديث) لأحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ) , تحقيق أحمد شاكر : ج 2, ص ٣٤٤, ح ١٧١٩ و 1720. وقال عنه أحمد شاكر: إسناده صحيح. وصحيح ابن حبّان (ت ٣٥٤هـ) , (ط دار ابن حزم) : ج 4, ص ١٩٨, ح ٣٢٧٢. وقال عنه الألباني (ت ١٤٢٠هـ) : صحيح. أنظر التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان: ج 10, ص 74, ح ٦٨٩٧. حليّة الأولياء (ط السّعادة) لأبي نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠هـ) : ج 1, ص ٦٥.

[12] روي عن عبد الملك ابن أبي سليمان، قال قلت لعطاء: «أكان في أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم أحد أعلم من عليّ، قال: لا والله ما أعلمه». أنظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ) : ج 3, ص ١١٠4. والتّاريخ الكبير (ط الوطن) لابن أبي خيثمة (ت ٢٧٩ هـ) : ص ٢٨٧, ح ٢٤٠. وكتاب مقتل عليّ لابن أبي الدّنيا (ت ٢٨١هـ) : ص 91, ح ١٠٩.

[13]  روي عن سعيد بن المسيّب قال: «كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن». انظر الطّبقات الكبرى (ط الخانجي) لإبن سعد (ت ٢٣٠ هـ) : ج 2, ص 293. والاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ) : ج 3, ص ١١٠3. وتاريخ دمشق (دار الفكر) لابن  عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠6.

وقول عمر: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. أنظر المدخل إلى السّنن الكبرى للبيهقي (ت ٤٥٨ هـ), تحقيق الأعظمي: ص 130, ح ٧٨. وتاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠6. والفتح الربّاني للشّوكاني (ت ١٢٥٠هـ) : ج 9, ص ٤٧٥٦.

وعن سمّاك بن حرب قال: كان عمر بن الخطاب يقول لعليّ بن أبي طالب عندما يسأله من الأمر فيفرّجه عنه: «لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن». أنظر كتاب مقتل عليّ لابن أبي الدّنيا (ت ٢٨١هـ): ص 91, ح ١٠8.

وقول عمر: «لولا عليّ لهلك عمر». أنظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لإبن عبد البرّ (ت ٤٦٣هـ): ج 3, ص ١١٠3. وغيره.

وعن أبي سعيد أن عمر كان يسأل عليّاً عن شيء فأجابه فقال عمر: «أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن». أنظر تاريخ دمشق (دار الفكر) لابن عساكر (ت ٥٧١هـ) : ج 42, ص ٤٠٥. وفيض القدير للمنّاوي (ت ١٠٣١ هـ) : ج 4, ص ٣٥٦, ح ٥٥٩٤.

قال محمّد بن الحسن الحجوي (ت ١٣٧٦هـ) : «وكم من قضية ردَّ فيها علي عمر وعثمان فرجعا لرأيه». أنظر الفكر السّامي في تاريخ الفقه الإسلامي: ج 1, ص ٢٤٤.

[14] قال ابن الأثير (ت ٦٣٠هـ) : «وشهد بدرًا، وأحدًا، والخندق.. وجميع المشاهد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا تبوك.. وله فِي الجميع بلاء عظيم وأثر حسن، وأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللّواء فِي مواطن كثيرة بيده». أنظر أسد الغابة في معرفة الصّحابة ط العلمية: ج 4, ص 87, برقم ٣٧٨٩.

وقال ابن كثير(ت ٧٧٤هـ) : وقد شهد عليّ بدراً وكانت له اليدُ البيضاء فيها، بارز يومئذ فغلب وظهر.. وقدّ قاتل علي يوم أحد قتالاً شديداً، وقتل خلقاً كثيراً من المشركين.. وشهدَ يوم الخندق فَقَتلَ يومئذ فارسَ العرب، وأحدَ شجعانهم المشاهير، عمرو بن عَبْد ودٍّ العامري، وشهدَ الحُدَيْبية وبيعةَ الرِّضْوان، وشهدَ خيبرَ وكانت له بها مواقفُ هائلةٌ.. ومنها أنه قتل مرحباً فارس يهود وشجعانهم.. وشهد الفتح وحنيناً والطائف، وقاتل في هذه المشاهد قتالًا كثيراً. أنظر البداية والنّهاية (ط دار ابن كثير): ج 7, ص 396 – ٣٩٧.

وقال ابن حجر العسقلاني(ت ٨٥٢ هـ) : «وشهد معه المشاهد إلّا غزوة تبوك.. وكان اللّواء بيده في أكثر المشاهد.. وكان قد اشتهر بالفروسيّة والشّجاعة والإقدام حتّى قال فيه أسيد بن أبي إياس بن زنيم الكناني قبل أن يسلم يحرّض عليه قريشا ويعيّرهم به:

في كلّ مجمع غاية أخزاكم … جذع أبرّ على المذاكي القرّح

للَّه درّكم ألمّا تذكروا … قد يذكر الحرّ الكريم ويستحي

هذا ابن فاطمة الّذي أفناكم … ذبحا بقتلة يعضد لم يذبح

أين الكهول وأين كلّ دعامة … في المعضلات وأين زين الأبطح». أنظر الإصابة في تمييز الصّحابة: ج 4, ص 464 و ٤٦٥, برقم ٥٧٠٤. وغير ذلك الكثير..

منقول من كتاب دستور الإمامة في تلخيص كتب العلّامة، للشيخ حيدر الموله