ما هي أدلة وجوب اتباع الفقهاء؟
الجواب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، وصلّى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطّيبين الطّاهرين؛ أهل الذكر الّذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم ، والرّاسخون في العلم الّذين لا يعلم تأويل القرآن سواهم، والمطهرون الذّين قال الله فيهم: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
أمّا بعد فنقول: إنّ الأدلّة على وجوب الرجوع إلى الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى للعمل بفتواهم في الأحكام الشرعية كثيرة ولا يسعنا ها هنا إلا أن نذكر جملة منها.
وقبل ذلك علينا أن نبيّن تعريف التقليد: (وهو عبارة عن عمل العامّي في الأحكام الشرعية بفتوى العالم بها، استناداً إلى استنباط العالم من الأدلّة الشرعية).
ولا بد من الإشارة إلى أنّ التقليد وطاعة المجتهد العادل في الأحكام الشرعية هو إمتداد لطاعة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، لأنّ المجتهد العادل يُجهد نفسه في استخراج حكم الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بإخلاص، فكلّما توصّل إليه واستنتجه فتقليده فيها ومتابعته والأخذ بقوله يعتبر – عرفاً – طاعة وإنقياداً للائمّة (عليهم السلام).
1- الاستدلال للتقليد – المصطلح – بالقرآن الحكيم
منه آية النَفر: قوله تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
ويستفاد منها: وجوب النَفر لأجل التفقه في الدين، وتقرر وجوب إنذار العلماء للناس، ورجوع الناس إليهم؛ وبهذا تتبيّن حجية العمل بفتاويهم.
2- الاستدلال للتقليد – المصطلح – بالسنّة الشريفة
1- منها: التوقيع الشريف عن صاحب الزمان – عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أنصاره والتابعين له – إلى إسحاق بن يعقوب: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» . وفيها خمسة أمور:
الأول: إنّ الارجاع إليهم بإطلاقه يشمل أخذ الفتوى عنهم.
ثانياً: إنّ الفقهاء من أظهر مصاديق الرواة، فهم رواة وزيادة حيث أنّهم ينقلون للناس ما استفادوه من الروايات في الحوادث الواقعة.
ثالثاً: إنّ تعليل الإمام (عليه السلام) بقوله: «فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» دليل على العموم لنقل الرواية والفتوى، إذ «الحجّة» لا تنحصر فيمن ينقل متون الأحاديث، بل إنّ شمول «الحجّة» للفقهاء الّذين ينقلون متون الأحاديث مع بيان مراداتها أولى.
رابعاً: بأنه لو لم يجز الرجوع في الاجتهاديات، لايماء «رواة حديثنا» بالرجوع لسماع نص الحديث، لكان في فقرة: «الحوادث الواقعة» كفاية في العموم، إذ لا شك إن كل الحوادث الواقعة ليس في الروايات جزئياتها، فتأمل.
خامساً: إنّ معنى: « الحجّة » لغة وعرفاً هو المعتبر قوله، سواء نقل عن غيره شيئاً أو أفتى عن نفسه ما استفاده من كلام مولاه.
2- ومنها: قول الإمام الباقر (عليه السلام) لأبان بن تغلب: «اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإنّي أُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك» .
3- ومنها: قول الإمام الصادق (عليه السلام) لمعاذ بن مسلم النحوي: «بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت: نعم، وأردت أن أسالك عن ذلك قبل أن أخرج: إنّي أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرّفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجيء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبّكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول: جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فأُدخل قولكم فيما بين ذلك، فقال لي: اصنع كذا فإنّي كذا أصنع».
ويستفاد منهما: جواز الإفتاء ونقل الرأي: المستنبط من أقوالهم (عليهم السلام) الملازم عرفاً لجواز الأخذ به، وتقليد الغير له، ويصدق ذلك – عرفاً – على الفقهاء في العصر الحاضر، الذين يستفتيهم الناس.
3- الاستدلال للتقليد – المصطلح – بالعقل
دعوة العقل كلّ جاهل في شيء إذا إحتاجه أن يرجع إلى العالم بذلك الشيء، وهكذا المكلّف الّذي وجب عليه طاعة الله، وتحصيل الأحكام للعمل بها فإن عقله يدعوه إلى أن يرجع إلى العالم بالأحكام الشرعية، وإطباق العقلاء كافّة في كلّ زمان ومكان على ذلك وإستمرار بنائهم عليه خير شاهد على ذلك، فإنّه يكشف عن حكم العقل بذلك (1) .
ونختم بمجموعة من الآيات الشريفة في المقام: قوله تعالى: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ ، و ﴿فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ ، و ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ .
جواب الشيخ حيدر الموله
هذا سؤال أرسل إلى الموقع من نوال أحمد من لبنان
________________________
(1) أنظر بيان الفقه: الإجتهاد والتقليد للمرجع الديني السيّد صادق الشيرازي ؛ ج 1.