جرت مناظرة بين عالم شيعي شهير وعالم سلفي معروف حول النص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام إليك ما جرى بينهما:
قال العلامة الحلّي: إنّ الإمام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هو علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ويدل عليه وجوه: منها قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} لإتفاق المفسرين وللإجماع عليه. وهذا الدليل يبتني على مقدمات:
إحداها: أنّ لفظة “إنّما” للحصر، و يدل عليه وجهان: الأول النقل عن أئمة اللغة. قال الشّاعر: و إنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى، و قال و إنّما الغرّة للكاشر. و المطلوب ما قلنا.
والثانية: أنّ ” إنّ ” للإثبات و ” ما ” للنفي حالة الإفراد؛ فكذلك حالة التّركيب يجب بقاء هذه المعاني وإلّا لزم التغير والنقل وهو على خلاف الأصل، فإما أن يجعل النفي للمذكور، والإثبات لغيره وذلك باطل قطعًا، وإما أن يكون بالعكس، وهو المطلوب.
الثانية: أنّ المراد بهذه الآية هو علي عليه السلام، فنقول: لا شك أنّ المراد بهذه الآية ليس كل المؤمنين لوجهين: الأول: أنّه تعالى وصف الأولى بوصف غير حاصل لكل المؤمنين، فلا يكون الجميع مرادًا. والثاني: أنّه يلزم أن يكون الحاكم والمحكوم عليه واحدا و ذلك باطل، وإذا كان المراد بها البعض فهو علي (عليه السّلام).
أما أولًا، فلأن الناس قائلان: منهم من جعلها عامة، ومنهم من قصرها على علي (عليه السّلام)، فلو قصرناها على غيره كان ذلك خرقا للإجماع.
وأما ثانيًا، فلأن المفسرين اتفقوا على قصرها عليه (عليه السّلام).
وأما ثالثًا، فلأن الأمة اتفقت على أنّ المراد هو علي (عليه السّلام)، و اختلفوا فمنهم من قال: أنّه كل المراد، ومنهم من قال، أنّه بعض المراد، فإذا أبطلنا العمومية كان الإجماع دالًا على إرادته منها دون غيره.
ورد ابن تيمية: أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليًا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأنّ الآية عامة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات، لا تختص بواحد بعينه. وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع. ولهذا لما كان البغوي عالمًا بالحديث، لم يذكر في تفسيره شيئًا من الأحاديث الموضوعة. أما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وأمثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات. وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا شيء من الأمهات.
تعليق: وهذا من الكذب البيّن فقد روى:
- 1- الطبري و 2- ابن أبي حاتم في تفسيرهما رويا عن مجاهد، والسّدي، وعتبة بن أبي حكيم، وسلمة بن كهيل.
- و 3- السمرقندي في تفسيره روى رواية ابن عباس.
- و 4- مكي بن أبي طالب في تفسيره روى رواية الكلبي، وقول السّدي.
- و 5- الماوردي و 6- البغوي في تفسيرهما نقلا قول السّدي.
- و 7- ابن عطية في تفسيره روى الرواية، ونقل قول مجاهد والسّدي.
- و 8- الزمخشري في تفسيره نقل القول بذلك.
- وروى 7- ابن الجوزي في تفسيره رواية أبو صالح عن ابن عباس، ونقل قول مقاتل ومجاهد.
- و9- الفخر الرازي في تفسيره روى روايةن عطاء ع ابن عباس
- وقد نقل 10- القرطبي في تفسيره قول ابن عباس ومجاهد والسّدي.
- و 11- البيضاوي في تفسيره روى الرواية.
- و 12- النسفي في تفسيره نقل القول بذلك.
- إضافة إلى ذلك فقد روى 13- الحاكم النيسابوري رواية عن عليٍ (عليه السّلام) كما في معرفة علوم الدين، صفحة 102.
- وهؤلاء من الذين سبقوا ابن تيمية وتقدموا عليه ذكروا جميعًا أنّ الآية نزلت في علي (عليه السّلام)، وهذا يكفي في رد تكذيبه.
وأضاف ابن تيمية: قوله: ” الذين “ صيغة جمع ; فلا يصدق على علي وحده.
رد العلامة الحلّي: أن المراد بهذه الآية هو علي (عليه السّلام)، فنقول: لا شك أنّ المراد بهذه الآية ليس كل المؤمنين لوجهين:
الأول: أنّه تعالى وصف ” الأولى ” بوصف غير حاصل لكل المؤمنين، فلا يكون الجميع مرادًا.
الثاني: أنّه يلزم أن يكون الوليّ والمتولّى عليه واحدًا وذلك باطل، وإذا كان المراد بها البعض فهو علي (عليه السّلام).
وقوله: لا يجوز صرفها الى علي (عليه السّلام)، قلنا: اسم الجمع قد يطلق على الواحد للتعظيم.
وعليه يدلّ على ثبوت الإمامة لمن اجتمعت فيه صفته إيتاء الزّكاة حين الرّكوع ولم يتّصف بذلك غير علي (عليه السّلام)لما تصدق بخاتمه فى صلواته حال الرّكوع.
وأضاف ابن تيمية: أنّ الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إنّ ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل تبطل بالإشارة المفهمة. وأنّ التصدق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة، وإعطاء السائل لا يفوت، فيمكن المتصدق إذا سَلَّمَ أن يعطيه، وإنّ في الصلاة لشغلًا.
رد العلامة الحلّي: لا يقال: يصحّ منه (عليه السّلام) ايتاء الزّكاة حالة الرّكوع، والصّلاة يمنع من فعل غيرها فيها؛ لأنّا نقول: إنّه ليس من الأفعال الكثيرة، ومثل ذلك عندنا جائز فعله فى الصّلاة.
وأضاف ابن تيمية: يقال: غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليًا. ولا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن مولاة أمثاله من المؤمنين.
قال تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} [سورة التحريم: ٤] . فبين الله أن كل صالح من المؤمنين فهو مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والله مولاه، وجبريل مولاه، وليس في كون الصالح من المؤمنين مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، كما أن الله مولاه، وجبريل مولاه، أن يكون (٦) صالح المؤمنين متوليا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا متصرفا فيه.
وأيضًا فقد قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [سورة التوبة: 71] ، فجعل كل مؤمن وليًا لكل مؤمن. وذلك لا يوجب أن يكون أميرًا عليه معصومًا، لا يتولى عليه إلا هو.
وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة يونس: 62 – 63] ، فكل مؤمن تقي فهو ولي لله، والله وليه. كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة: 257] وقال: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ} [سورة محمد: 11] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة الأنفال: 72 – 75] .
فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنّ هذا ولي هذا، وهذا ولي هذا، وأنّهم أولياء الله، وأنّ الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله، كما أنّ الله ورسوله والذين آمنوا هم أولياء المؤمنين. وليس في شيء من هذه النصوص أنّ من كان وليًا للآخر كان أميرا عليه دون غيره، وأنّه يتصرف فيه دون سائر الناس.
رد العلامة الحلّي: أنّ المراد بالوليّ هنا: المتصرّف والمستحقّ لوصف الأولى؛ وهو معلوم من أهل اللغة، حيث يقال: “فلان وليّ المرأة” لمن هو أولى بالعقد عليها ويصفون العصبة بأنّهم “أولياء الدم”؛ لأنّهم أولى بالمطالبة؛ ويقولون: للمرشّح للخلافة أنّه “وليّ عهد المسلمين” أي هو الأولى بالقيام فى تدبيرهم، وقولهم “السلطان ولي من لا ولي له”، وغير ذلك.
وإذا كان يفيد الأولى وجب أن يكون حقيقة فيه و إلا كان مجازًا والأصل عدمه، وإذا كان حقيقة فيه وجب أن لا يكون حقيقة في غيره و إلا لزم الاشتراك و هو خلاف الأصل.
والمنع من وضع لفظة “الولي” للأولى غير وارد، لأنّه طعن في النقل مع حصول الاستعمال الكثير.
وأيضًا فليس المراد بذلك المحبّة والموالاة هاهنا لأنّها عامّة لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} أما الآية مختصة ببعض الناس.
ختامًا: نقول قد جاء بعد ابن تيمية من قال التالي:
1- قال الإيجي: أجمع أئمة التفسير أنّ المراد علي، وللإجماع على أنّ غيره غير مراد. شرح المواقف: ج 8، ص 360.
2- وقال التفتازاني: نزلت بإتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب. شرح المراصد: ج 5، ص 270.
3- وقال القوشجي: نزلت بإتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب. شرح التجريد: ص 368.
4- وقال الآلوسي: غالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي. روح المعاني للآلوسي: ج 6، ص167.
-
انظر: كتاب منهاج السنة لإبن تيمية إلى جانب كتب العلامة الحلي: منهاج اليقين ومعارج الفهم ونهج المسترشدين وأنوار الملكوت.