فكرة المخلص، وزمان ظهوره، ودولته
المحور الأول: فكرة المخلص
المخلص هو قائد إلهي يُرسل لتصحيح المسار، وتحقيق العدالة، وإقامة حكم الله على الأرض. كما وتؤمن به جميع الأديان والطوائف. وليس غريبًا أن نجد في أعماق الإنسان منذ بدء الخليقة توقًا أزليًا نحو الخلاص والنجاة، فهذا التوق يمثل نبض الفطرة التي أودعها الله تعالى في قلب كل إنسان. إن الإنسان، عندما يواجه الظلم، أو يشهد الطغيان يملأ أرجاء الأرض، لا يجد في نفسه إلا صوت الأمل وهمسة الرجاء تنتظران بصيص نور من السماء. وهكذا استمرت عبر العصور فكرة المنقذ أو المخلّص الذي سيظهر في لحظة فاصلة ليعيد التوازن للعالم، ويحقق الوعد الإلهي بأن للعدل يومًا قريبًا، مهما طال ليل الظالمين.
الشيعة: من أجلِّ ما تميزت به مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بين سائر الفرق الإسلامية، وضوح معالم عقيدة المخلّص، ودقتها في تفاصيل الاسم والنسب والصفات والأدوار، حتى بات الإيمان بالإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام) محورًا من محاور العقيدة الإمامية، وركيزة لا يُتم إيمان الشيعي إلا بها. وليس ذلك من بنات الفكر البشري، بل هو وحي ونص إلهي تواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام)، حتى أصبحت قضية المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) علمًا ظاهرًا في التراث الشيعي . ولقد نصَّت الأحاديث الشريفة على أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله، وأن الحجة في عصرنا هذا هو الإمام الثاني عشر، ابن الحسن العسكري (عليه السلام)، الذي وُلد في سنة 255 هـ بسر من رأى، وغاب بأمر الله في الغيبة الصغرى ثم الكبرى، وسيظهر في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الإلهي التي وعد الله بها عباده الصالحين بقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).
المخالفين: يؤمن جمهور المخالفين بفكرة المخلّص المنتظر في آخر الزمان، ويسمونه “المهدي”. وهذا الإيمان ليس طارئًا في تراثهم، بل ورد في عشرات الأحاديث النبوية التي اعتبرها كثير من علمائهم صحيحة أو حسنة، مثل حديث النبي (صلى الله عليه وآله): «يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا.» (سنن أبي داود، ح 4282). ويرونه رجلًا صالحًا من نسل فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيولد في المستقبل، ويبعثه الله في آخر الزمان حين تشتد الفتن وتعم المظالم، فيكون سببًا في تجديد الدين ونشر العدل.
الإسماعيلية: (المهدي المنتظر) إمام مستور أو قائم بالحق، يعيد العدالة، ويعتقد البعض أنه سيعود من السِّتر.
الزيدية: المهدي من آل البيت (عليهم السلام)، عالم عادل من نسل فاطمة (عليها السلام)، يخرج بالسيف ويقيم العدل إذا توفر النصير.
الصوفية: يُنظر له كقطب الزمان أو الإنسان الكامل ووَلِيّ، وصاحب سر إلهي نوراني، وتظهر أسرار الحق في زمن الظلمة على يديه، وبعضهم يربط المهدي بالقطب الغوث.
اليهودية: تُعد عقيدة المخلّص أو “المسيّا” (משיח – المشيح) من أعمق العقائد التي شكّلت الوجدان الديني اليهودي عبر التاريخ، إذ رافقت الشعب اليهودي في كل محطات التيه والاضطهاد، وصارت رمز الأمل في العودة والنصر والخلاص القومي والديني معًا. وبحسب النصوص العبرية المقدسة، خاصة في أسفار الأنبياء والمزامير، يُنتظر أن يبعث الله في آخر الزمان قائداً مختارًا من نسل داود الملك يُسمّى “المسيّا” أو “المخلّص”، يكون جامعًا لصفات الملك والقائد الديني والمصلح العظيم، ويقيم حكم الشريعة والسلام في العالم. وقد جاء في سفر إشعياء: “ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب… ويحكم بين المساكين بالعدل، ويضرب الأرض بقضيب فمه…” (إشعياء 11: 1-4).
النصرانية: تشكل عقيدة المخلّص أو “المسيح الموعود” حجر الزاوية في الإيمان المسيحي، وأن الإنجيل يحمل وعدًا صريحًا بـ”العودة الثانية” للمسيح في آخر الزمان ليقيم ملكوت الله على الأرض، ويقضي على الشر، ويحكم بين الناس بالعدل، ويجلب الدينونة والقيامة. وفي الأناجيل الأربعة ورسائل الرسل، تتردد نبوءات كثيرة عن مجيء المسيح الثاني: “ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذٍ يجلس على كرسي مجده…” (متى 25: 31).
الزرادشتية: تؤمن بظهور مخلّص عظيم يُدعى “سوشيانس” (Saoshyant)، وهو آخر أبناء النبي زرادشت، يولد في آخر الزمان من عذراء مباركة، ويأتي ليقضي على الشر وأهريمان (روح الظلام)، ويقيم العدل ويحيي الأموات، ثم تبدأ “القيامة الكبرى” وينتصر النور الإلهي على الظلام. وتصف النصوص الزرادشتية معركة فاصلة بين قوى النور والظلمة، ويكون دور سوشيانس فيها حاسمًا في إنقاذ الأبرار وتطهير الأرض من الفساد.
الهندوسية: تؤمن بأن الإله “فيشنو” يتجسد مرارًا في العالم ليحفظ النظام الكوني (دارما)، وأن آخر هذه التجسدات سيكون في صورة “كالكـي” (Kalki)، الذي يظهر في نهاية عصر الظلمة والانحطاط الأخلاقي (كالي يوغا)، راكبًا حصانًا أبيض وسيفًا لامعًا، ليقضي على الشر ويعيد الفضيلة ويؤسس عهدًا جديدًا من النقاء الروحي والسلام.
البوذية: فتؤمن أنه سيظهر في المستقبل بوذا جديد يُسمى “مايتريا” (Maitreya) يُعيد إحياء التعاليم الحقة (الدارما)، ويخرج الناس من الجهل والضياع، وينشر الرحمة والنور في العالم. تنتظر البوذية هذا المخلّص كمعلم كوني يحمل رسالة التنوير من جديد.
وفي الفلسفة المثالية (مثل فلسفة أفلاطون وهيجل): يحضر مفهوم “المخلص” في صورة الفيلسوف الملك أو الروح المطلق. فالمدينة الفاضلة عند أفلاطون تتحقق بقيادة حكيم عادل، يسوس الناس بالحق ويُخرِجهم من الجهل. أما هيجل فيرى أن التاريخ حركةٌ نحو الحرية المطلقة، وتحقق الروح الكلية في الدولة العادلة.
المحور الثاني: دولة المخلص
دولة المخلص ستكون دولة عادلة قائمة على الحق والعدل، يعمها الأمن والسلام بعد طول فترة من الظلم والاضطهاد. يمتد حكمه ليشمل العالم، حيث يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا.
ستتميز دولته بعودة القيم الدينية الصحيحة، تحقيق المساواة بين الناس، وانتصار الحق على الباطل. حسب المعتقدات، سينهي المخلص الفتن، ويقيم حكم الله، ويجهز الأرض ليوم الحساب.
1. العدل ورفع الظلم: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يقوم القائم فيعدل في الناس، كما ملئت الأرض جوراً وظلماً». (الغيبة للنعماني: ص 234).
2. شيوع الأمن: عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «تأمن السّبل حتى تمشي المرأة بين العراق و الشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات، وعلى رأسها زينتها، لا يهيجها سبع و لا تخافه». (بحار الأنوار: ج 52، ص 316).
3. الوفرة الاقتصادية: أن الإمام المهدي (عليه السلام) «يأمر مناديًا فيقول: من كان له في المال حاجة فليقم!فما يقوم من الناس إلاّ رجل واحد، فيقول: أنا. فيقول القائم: إئت السادن فقل له: إن المهديّ يأمرك أن تعطيني مالا. فيقول السادن: أحث، و يحثو له في ثوبه حثوًا». (كشف الغمة: ج 3، ص 273).
4. العمران والبناء: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عمر، و ينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه». (كمال الدين: ج 1، ص 359).
المحور الثالث: زمان ومكان الظهور
يُعتقد أن ظهور المخلص يكون في زمن تكثر فيه الفتن والاضطرابات، وتمتلئ الأرض بالظلم والفساد. تشير الروايات إلى أن الأرض ستكون غارقة في الفساد الاجتماعي والسياسي، وتتفكك الدول وتتلاشى القيم الدينية.
الظهور يوم الجمعة: عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة». (وسائل الشيعة: ج 7، ص 381).
يوم عاشوراء: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يقوم القائم يوم عاشوراء». (الغيبة للنعماني: ج 1، ص 289).
زمان خروجه: عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام: «إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، فقال عليه السلام: يا أبا القاسم ما منا إلا قائم بأمر الله عز وجل وهاد إلى دينه، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلا وقسطا هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: { أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا } إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل». (كمال الدين ج 1، ص 406).