تعامل عائشة بنت أبي بكر مع النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله

كيف كانت معاملةُ عائشةَ بنتِ أبي بكرٍ للنبيِّ (صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته (عليهم السلام)؟

المقدمة

قوله: ﴿وأزْوَاجُهُ أمَّهاتُهُمْ﴾ أي أراد به حرمة أزواجه (صلى الله عليه وآله) كحرمة أمهاتهم عليهم، في أنّهن يَحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته، كما يَحرم عليهم نكاح أمهاتهم. (1)

وهناك آيات عديدة أشارت إلى أنّ زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) حالهن كحال سائر نساء الأمة في التقوى والمعصية وغير ذلك وقد تم إقرار هذه الحقيقة في موارد قرآنية شتى منها:

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ (2) ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ (3) ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ (4) ، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾(5).

 

وسنعرض تعامل عائشة بنت أبي بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عدة موارد:

1- التشكيك بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) والطعن بعدالته

فقد أخرج أبو يعلى في مسنده: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟! قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟! أَفَلَا عَدَلْتَ؟!».

وأخرج الغزالي في إحياء علوم الدين: عن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: قُلْتُ: «اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا!».

 

2- الطعن بالله وإتهام النبي (صلى الله عليه وآله) بالهوى

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك النسائي وابن ماجه في سننهما، وأحمد في مسنده: عن عائشة أنها قالت: «فلما أنزل الله تعالى: ﴿تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ (6) قلتُ: ما أرى ربَّكَ إلا يُسارع في هواك!».

 

3- إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله)

أخرج البخاري في صحيحه: عن عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزْعُمُ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ. فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ﴾ (7) ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ﴾ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ».

وأخرج النسائي في السنن الكبرى، وأحمد في مسنده عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ قَالَ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ ثم قَالَ: مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ؟ قُلْتُ: لَكِنِّي أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ، وَاللهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ».

 

4- عدم احترام النبي (صلى الله عليه وآله)

أخرج النسائي في السنن الكبرى، وأحمد في مسنده: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: « استأذَنَ أبو بَكرٍ على رسولِ اللهِ ﷺ، فسَمِعَ صَوتَ عائشةَ عاليًا، وهي تقولُ: واللهِ لقد عَرَفتُ أنَّ علِيًّا أحبُّ إليك مِن أبي، مَرَّتَينِ أو ثلاثًا..».

وأخرج أحمد في مسنده: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ، غَمَزَنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: ” تَنَحَّيْ».

وأخرج مسلم في صحيحه: عَنْ عَائِشَةَ قالت: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ! قَالَ “وَعَلَيْكُمْ” قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَائِشَةُ! لَا تَكُونِي فَاحِشَةً».

 

تعاملها مع أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)

1- حربها لإمام زمانها علي (عليه السلام)

أخرج البزار في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ لِنِسَائِهِ: «لَيْتَ شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج كِلابُ حَوْأَبٍ، فَيُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا، وعَن يَسَارِهَا قَتْلًا كَثِيرًا، ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ».

وأخرج الترمذي وابن ماجه في سننهما، وابن حبان في صحيحه: عن زيد بن أرقم قال: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ لعليٍّ، وفاطمةَ، والحسَنِ، والحُسَيْنِ: «أَنا حربٌ لمن حاربتُمْ، وسِلمٌ لمن سالمتُمْ».

وأخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه: عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: «لَمَّا سَارَ عَلِيٌّ إِلَى الْبَصْرَةِ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ يُوَدِّعُهَا فَقَالَتْ: ” سِرْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي كَنَفِهِ: فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لِعَلَى الْحَقِّ: وَالْحَقُّ مَعَكَ: وَلَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَعْصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ: فَإِنَّهُ أَمَرَنَا ﷺ أَنْ نَقَرَّ فِي بُيُوتِنَا لَسِرْتُ مَعَكَ: وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَأُرْسِلَنَّ مَعَكَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدِي وَأَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي ابْنِي عُمَرَ ».

 

2- بغضها لأمير المؤمنين (عليه السلام)

روى عبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: « أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا، فَأَذِنَّ لَهُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ وَيَدٌ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَيَدٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَهُوَ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِيٌّ، وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ لَهُ نَفْسًا».

 

3- سرورها بقتل الإمام علي (عليه السلام)

روى الطبري في تأريخه، وابن سعد في الطبقات الكبرى، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: «ولما انتهى إِلَى عَائِشَة قتل علي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قالت:

فألقت عصاها واستقرت بِهَا النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فَقَالَتْ:

فإن يك نائيا فلقد نعاه

غلام ليس فِي فِيهِ التراب

فَقَالَتْ زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هَذَا؟ فَقَالَتْ: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني ».

وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: عن أبي البختري قال: «لما أن جاء عائشة قتل علي (عليه السلام) سجدت».

 

4- إيذائها لفاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله)

أخرج ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، والقسطلاني في إرشاد الساري، وابن المُلَقِّن في شرح الجامع الصحيح: عن الأسوَدِ بن جبرٍ المغافِرِيِّ قالَ: « دخلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ على عائشةَ وفاطمةَ وقد جرى بينَهُما كلامٌ فقالَ ما أنتِ بمنتَهيةٍ يا حُمَيْراءُ عن ابنتي ».

وإسائتها للسيدة خديجة (عليها السلام) – المسطرة في صحيحي البخاري ومسلم – تؤذي فاطمة (عليها السلام).

وقد روى الصدوق في الخصال: عن أبي عبد الله الصادق (عليه‌ السلام) قال: «دخل رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) منزله، فإذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها، وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلا أنّ لأُمُّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ وما هي إلاَّ كبعضنا! فسمع النبي مقالتها لفاطمة، فلما رأت فاطمة رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) بكت، فقال: ما يبكيك يا بنت محمد؟ قالت: ذكرت عائشة أُمّي فنقّصتها فبكيتُ. فغضب رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) ثم قال: مَه يا حميراء! فإنّ الله تبارك وتعالى باركَ في الودود الولود وإن خديجة (رحمها الله) ولدت منّي طاهراً (وهو عبد الله) وهو المطهّر، ووَلدت مني القاسم ورقية وأُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رَحِمها. فلم تلدي شيئاً».

 

5- منعها من دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)

روى ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عساكر في تاريخ دمشق: « عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبدا يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعا والله أنه لبيتي أعطانيه رسول الله ﷺ في حياته وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري وما أثر علي رحمة الله عندنا بحسن».

وروى أبو الفداء في تأريخه: « كان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله ﷺ، فلما توفي أرادوا ذلك، وكان على المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية، فمنع من ذلك، وكاد يقع بين بني أمية وبين بني هاشم بسبب ذلك فتنة، فقالت عائشة: البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه، فدفن بالبقيع».

وروى البلاذري في أنساب الأشراف: «قَالَتْ عَائِشَةُ: الْبَيْتُ بَيْتِي وَلا آذَنُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ أَحَدٌ!».

 

الخاتمة

ونختم الكلام بروايتين هما مسك الختام:

روى ابن أعثم في الفتوح: «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لعائشة بعد حرب الجمل: أمرك الله أن تقري في بيتك وتحتجبي بسترك ولا تبرجي، فعصيته وخضت الدماء، تقاتليني ظالمة وتحرضين عليّ الناس، وبما شرفك الله وشرف آباءك من قبلك وسماك أم المؤمنين وضرب عليك الحجاب قومي الآن فارحلي واختفي في الموضع الذي خلفك فيه رسول الله ﷺ إلى أن يأتيك فيه أجلك، ثم قام علي فخرج من عندها.

قال: فلما كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها: يقول لك أمير المؤمنين: أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن عليك بما تعلمين.

قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلما قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت: رحلوني!

فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أم المؤمنين جاءك عبد الله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبيه حتى علا صوتك ثم خرج من عندك وهو مغضب، ثم جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع! فقالت عائشة: إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله ﷺ، فمن أحب أن ينظر إلى رسول الله ﷺ فلينظر إلى هذا الغلام، وبعد فقد بعث إلي أبوه بما قد علمت ولا بد من الرحيل.

فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمد ﷺ إلا أخبرتني بماذا بعث إليك علي رضي الله عنه، فقالت: ويحك! إن رسول الله ﷺ أصاب من مغازيه نفلا فجعل يقسم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئا وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي رضي الله عنه وقال: حسبكن أضجرتن رسول الله ﷺ، فتجهمناه وأغلظنا له في القول. فقال: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَٰجًا خَیۡرًا مِّنكُنَّ﴾ فأغلظنا له أيضا في القول وتجهمناه، فغضب النبي ﷺ من ذلك وما استقبلنا به عليا، فأقبل عليه ثم قال: يا علي! إني قد جعلت طلاقهن إليك فمن طلقتها منهن فهي بائنة، ولم يوقت النبي ﷺ في ذلك وقتا في حياة ولا موت، فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول الله ﷺ».

وروى الطبرسي في الإحتجاج: في رواية سعد بن عبد الله الأشعري عن القائم (عليه السلام) قال: «قلت له: يا مولانا وابن مولانا روي لنا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين، حتى أنه بعث يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال: إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي حصل منك، وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة، فإن امتنعت وإلا طلقتك. فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام؟

فقال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن لشرف الأمهات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن إن هذا شرف باق مادمن لله على طاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج، وأسقطها من شرف أمية المؤمنين».

 

_________________

(1) أنظر: تفسير الطبري والسمرقندي وابن أبي زمنين والواحدي والسمعاني وغيرهم.

(2)  سورة الأحزاب: آية 30.

(3)  سورة الأحزاب: آية 32.

(4)  سورة الأحزاب: آية 33.

(5) سورة التحريم: آية 3 – 5.

(6) سورة الأحزاب: آية 51.

(7) سورة التحريم: آية 1.